23 ديسمبر، 2024 2:25 م

غريب في وطني

غريب في وطني

(مقالة قصصية واقعية)
في دنيا الخراب الجميل  ,عقد اتفاق بين المعاناة والإنسان  واتفقا ان لا يترك احدهما الأخر ومنذ عام(  1977 )ولغاية كتابة هذه المقالة القصصية عام(2014) لا زالوا على الاتفاق, تمادت المعاناة واستباحة الانسان بثقافة الخوف والبكائيات وجلدت ذاته بالألم والحرمان ,تمرد الأخير(الانسان ) وقرر ان يتحرر من  أصفاد المعاناة , كسرها وتوهم المسكين انه تحرر وجد نفسه وحيدا فريدا, توضئ بدموعه وصلى بمحراب أحزانه ,ناجى ربه بمناجاة العبد المحطم ,الإلهي ان كان هذا يرضيك فلا حيلة لي تعلم ما في صدري ولا اعلم الا ما علمتني ,الالهي وهن العظم واشتعل الرأس شيبا وصرعتني المعاناة والظلم وأنت العزيز الكريم, لم يبقى أمامه  الا  ان يشهر ما تبقى عنده, سلاحه(القلم) ليسرد ما في خلجات النفس ويلفظ زفيرها على الورق, الألم وأوجاع وإقصاء وتهميش لا لشيء الا ليريح الذات المؤثثة بالخوف والبكاء والحزن لعله يجد من يواسيه من بني البشر, لعد ان انقطعت السبل الا سبيل الله
البداية: اعتمد على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة متواضعة وأشاد به من كان يشرف علية في المدرسة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، ليس بالعلوم الدراسة فقط  بل كان رياضيا وفنانا با لفطرة أيضًا؛ و يهوى الإطلاع على الكتب والثقافات الأخرى. وكما كان إصراره و حبه للعلم لتعويض عائلته من الحرمان، فإن هذا الإصرار كان سببًا لشقائه أيضًا، أشتغل في مختلف الإعمال  ليوفر مصروفه وإعانة العائلة  ,ومن السوابق التي أغتبط بها وحمد الله عليها أنه كان  مظلوما ولم يكن ظالما قطا, فبعد ان تخرج من الإعدادية قرر اختياراي وظيفة حكومية  تسهل علية قصر مسافة الزمن لينتشل نفسه والعائلة من وسط ركام الفقر والجوع وفضل الكلية العسكرية على كلية الإدارة والاقتصاد ليضمن مصاريف الدراسة والتعين , وان كان يشعر بان الوظيفة نوع من أنواع الرق في قرن العشرين(كما وصفها العقاد), لكن العسكرية لذاتها  ليست معابة على أحد، لكنها إذا كانت باب المستقبل الوحيد أمام الشاب المتعلم فهذه هي المعابة على المجتمع بأسره، وتزداد هذه المعابة حين تكون الوظيفة عملا آليا لا نصيب فيه للموظف الصغير والكبير غير الطاعة وقبول التسخير، وأما المسخر المطاع فهو الحاكم  الظالم المستبد  الذي يستولي على أداة الحكم , “ان يروا ما يرى” إن نفوره من الوظيفة الحكومية في مثل ذلك العهد الذي يقدسها الكثير كان من السوابق التي أغتبط بها ويحمد الله عليها.. فلا ينسى حتى اليوم أنه يوم تلقى خبر قبولي في الكلية العسكرية التي أكرهته الظروف على طلبها كأنه تلقى خبر الحكم بالسجن أو الأسر والعبودية.فقد كان مولع بالثقافة او الرياضة المهم ان يبقى حر. إذ, ورغم كل هذا الإذلال والخضوع تم رفضه من الانخراط بالكلية العسكرية لورود معلومات أمنية تفيد انه من عائلة ذات توجهات دينية معينة تختلف مع توجهات النظام وهذا بحد ذاته جريمة كبرى في ذالك الوقت, وكانت المحطة الأولى من المعانات لهذا المواطن (الغريب في الوطن) ,اتجه إلى  كلية الإدارة والاقتصاد مكرها” (ورضي بالهم ولكن الهم لم يرضى به) كما يقال, ورافقته  المعاناة الى المحطة الثانية(كلية الإدارة والاقتصاد) مكرها , تعرضت  الجامعة المستنصرية في حينها إلى تفجير وبدأت السلطة تبحث على كل من تحوم عليهم الشبهات الأمنية (المعارضين للنظام)   وضاقت به الأرض بما رحبت ,واسودت الدنيا بعينه وغلقت كل الأبواب ولم يبقى أمامه إلا الخدمة العسكرية المكلفة في الجيش حيث كانت طبول الحرب تدق بين العراق و إيران, وما كان علية الا أن يخفي كل هذه التداعيات ويبحث عن ملاذ ينقذه من العسكرية الشبح الذي يراود كل الشباب حيث كانت مثل(درب الصد ما رد) فما دخلها احد وتسرح,أرشده احد الأصدقاء الى معهد يقبل الطلبة بقبول خاص(معهد النفط) وتعهد بان يكون له “واسطة “جزاه الله, وتم قبول “الغريب في الوطن” ولكن الشؤم كان بانتظاره ولاحقته المعلومات الأمنية وبدأت المعاناة وتخلت الأصدقاء ولم يلوم احد فالنظام كان لا يرحم , وكان يعاقب  على الشبه, كانت الأيام تمر ثقيلة وقاسية وكان يتوقع كل يوم بأنه سوف لن يعود الى المنزل وأشدت المضايقة ووصلت الأمور نقطة الخطر , الأمر الذي دعاه ليترك المعهد  ليواجه,مصيره المحتوم, أصعب المحطات وأقساها وهي الخدمة العسكرية ,كانت رحى الحرب الطاحنة  بين العراق وإيران قد دارت, لكن عدم قناعته بالمشاركة بهذه الحرب اضطرته إلى دفع فاتورتها  فيما بعد,الرفض  يعني الإعدام او الرمي في غياهيب دهاليز النظام, وقرر عدم الذهاب الى العسكرية ولكن أين يذهب وهو وعائلته في أسوء الأوضاع والفقر والحرمان والتهميش والإقصاء تحيط به أنهكه التفكير والخوف  من المجهول, واقض مضاجعه السهر والقلق, وشاع خبر تخلفه من اقرب الأصدقاء وبات بين قوسين او اقرب الى السجن قابضا فكر بابوية كبار السن وما سوف يعانوه ان حصل ذلك ,اضطر الى لالتحاق وعوقب بالسجن وأمضى شهر ليشمل بعفو خرج ووجد المعلومات الأمنية  بانتظاره وظل بين مطرقة المنظمة الحزبية العسكرية وسندان استخبارات اللواء, وادعا مرض الكائبة ساعدته المعاناة والضغط النفسي الذي كان يعانيه,ولكي لا يشارك بتداعيات المعركة وظل بين الدوام والانقطاع إلى أن انتهت الحرب وتسرح  من الجيش  ولكن المعاناة ظلت تلازمه, فجاء دور البطالة ومعركة  البقاء  وتعدى قطار الزواج بعد أن أفنى زهرة شبابه في الجيش لولا أن رحم ربي , وازدادت الهموم  وتغير النظام وقال كما قال جيش المظلومين فرجت وسوف نعوض,واليوم و غدا وبعد غد,ودفع فاتورة هذا التأييد لنظام الجديد أن استشهد اخية من قبل مجموعة إرهابية ليزداد معاناة فوق معاناته بعد ان ازداد حجم المسئولية وعدد إفراد العوائل والأيتام الذين يعيشون في كنفه,وتحدى كل هذه الظروف  وأكمل دراسة كلية الإدارة والاقتصاد و المعهد, وتعيين بفضل الله دون أن يحصل على مساعد لا من الناس الذي  تسببوا في تدمير حياته وحياة عائلته ولا من غيرهم, ولازال يعاني  ولم ينصفه النظام الجديد ويعوضه أسوة بإقرانه إلى حد  ألان.