23 ديسمبر، 2024 10:51 ص

غرفة نوم في القصور الرئاسية

غرفة نوم في القصور الرئاسية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبح الجنرال شارل ديغول رئيسا للجمهورية الفرنسية الخامسة، ولأن باريس كانت تحت الاحتلال النازي فقد خُربَ منها الكثير وسُرق، ومنها قصر الإليزيه الرئاسي، فكان عليهم أن يؤثثوا للرئيس مكتباً رئاسيا وغرفة نوم صغيرةٍ بجانب المكتب يستريح فيها وقت أدارة الازمات الطوارئ. لكن الرئيس أصر على جلب اثاث غرفة نومه البسيط التي كان ينام فيها أيام المقاومة وترأسه لجيش فرنسا الحرة، مؤكدا أن أثاث هذه الغرفة البسيطة تبقيه على صلابته وذكرياته الحلوة من أجل فرنسا.
أتحدث عن هذه الحكاية على ضوء رؤيتين الأولى أن صديقي الدكتور حيدر سعيد امتدح مرة نضال رجل شيوعي نال من الدكتاتورية الكثير من الظلم وصبر في التحدي بقوة، وهو اليوم مسؤولا حكوميا في حكومة تكريت المحلية، المسؤول نفسه رأيته بعد عام في لقاء تلفازي يتحدث عن سكنه في احدى القصور الرئاسية، ويقول انه أثث هذا القصر من جيبه الخاص. ولأنه بتأريخ جهادي مشرف في سبيل الفقراء تمنيت عليه أن لا يسكن في قصر، ويذهب ليعيش بين أهله وناسه الذين دافع عنهم بصلابة وشرف. واظن انه غادر القصر قبل أن تحتل تكريت لأنه تعود ألا يعيش في الامكنة الفخمة وفقراء حزبه يعيشون في بيوت الصفيح.
الحكاية الثالثة أن زوجة عضو اخر بمجلس تكريت الحالي تشكو لصديقة لها في عمان أنها حزينة على غرفة نومها الفاخرة في القصر الرئاسي الذي احتلهُ داعش، وتمنت على الجيش عند تحريره تكريت أن يجد غرفة نومها سالمة معافاة هي ومخدات الستن التركي الفاخر، فكل شيء في هذا المكان الذي ورثته عن ابيها وجدها ولم ترثه من صدام وجنون محاكاة قصور الرشيد والف ليلة وليلة، هو عزيز عليها، وكأنها تريد أن تُحرر تكريت من داعش المعتوه والبربري سوى من أجل غرفتها ووسائد الستن.
داعش المفتونة بالهدم والتفخيخ ربما سمعوا نداء هذه السيدة التي أرادت أن تعيد استغاثة المرأة العربية من اهالي عموريا ايام الخليفة المعتصم، ولكن بشكل عولمي من اجل غرفتها لتصيح: (واعبادياه) واجيشاه واحشداه. فيأتيها المدد ويعيد اليها غرفتها الأبنوس الفاخرة.
الرؤية في اعلاه أننا في معركتنا لتحرير تكريت والموصل وسنجار لم تكن لأجل أن نبقي القصور الرئاسية سالمة، فهي ارث ثقيل، لأنها منذ 2003 والى اليوم يُقدر لها ان تكون ملكا للشعب ومتنزهات وامكنة ترفيه، لكن السادة المسؤولين اخذوها سكنا لهم في نعيم وعيش رغيد كما الحال في قصور المنطقة الخضراء والقصور الرئاسية في البصرة والموصل وتكريت وغيرها.
التحرير الحقيقي الزاحف اليوم صوب تكريت هو زحف من أجل تخليص الناس من ظلم حكم الجائر داعش، وهي مهمة وطنية وحتما سيتحصن التنظيم في هذه القلاع وينشر عليها قناصته فتصير مصدرا لموت الكثير من ابنائنا الجنود، ليتكرر فينا حزن مآسي الحروب التي لا تنتهي، لهذا دكها بالطائرات أوجب حتى لو تهدمت غرفة نوم زوجة المسؤول!