23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

غربان السياسة في بلد التعاسة

غربان السياسة في بلد التعاسة

السياسيون في الانظمة الديمقراطية في ارض الله يجتمعون مع بعضهم في اماكن بسيطة جدا يتناقشون بامور كثيرة وهم يحتسون القهوة. وبعد الاجتماع يخرجون الى الناس ليقولوا بانهم اتفقوا على كذا وكذا ولم يتفقوا على النقاط الاخرى موضحين الاسباب بدون كذب او لف ودوران. واذا اجتمعوا ثانية فانهم سوف يبدئون من حيث انتهوا في اجتماعهم السابق وهكذا تكون دائما للقصة نهاية.  
لكن دعونا نتأمل شكليات اجتماع اثنين من المتسيسين العراقيين. ونحن نعلم ان اجتماعاتهم ليس لها ابدا بداية فكيف يكون لها نهاية. فبعد اتصالات عديدة بينهما من لندن وبيروت حيث يسكنان بشكل دائم يتفق ابو علان مع ابو فلان على الاجتماع في بغداد لايهام عباد الله بانهم ايضا ساكنين في البلد. المشكلة اين؟ هذا يقول في بيتي في بغداد (وهو بيتا استولى عليه كان يعود للدولة او كان مملوكا لمسؤول سابق) وذاك يقول لا والله الا في بيتي الصيفي في اربيل. واخيرا وبعد مجاذبات عديدة حول المكان والزمان يتم الاتفاق على اللقاء ولكن اولا على وليمة متكونة من اربعين صينية من السمك والقوزي والبرياني والدجاج وما لذ وماج يكفي لاشباع ثالثمائة رجل. وبعد الطعام تبدأ شعائر القهوة والشاي وملحقاتهما من الشوكلاتة السويسرية والحلويات المستوردة من عمان وبيروت.
 وبسبب ثقافة المجاملات التافهة التي تسود مجتمعنا فانهما يتحدثان بشكل مغلف دون ان يبيح احدهم للاخر بما في دواخله بالضبط ويتلقفان اخبار الاخرين وسقطاتهم ولا يناقشان الا امورا صورية. تبادلوا اخبار الانتخابات والفرز والعد والتزوير فقال ابو علان “والله اني ماخليت نفسي هذي المرة دفعت فلوس لنشر اللافتات والصور وتعليقها ثم كلفت كم شيخ لدفع عشايرهم حتى يصوتولي” فرد ابو فلان “والله يا ابو علان اني هم سويت نفس الشي لكن سعر الشيوخ هذي المرة ترة حيل صاعد” فرد ابو فلان من جانبه “ابو علان نعم مهم ان ننجح بالانتخابات لكن الاهم ان يكون النه ضلع بالحكومة الجاية”. “فاهمك ابو فلان الرجال اللي يعبي بالسلة تفاح” بجيب ابو علان. الحديث بين هؤلاء يبقى ضمن هذه الاطر الهدامة والساذجة في ذات الوقت لان لب المشكلة هي ان هذين السياسيين, كغيرهم من الذين دخلوا هذا اللعبة, لايعرفان شيئا عن السياسة و لا كيفية ادارة مفاصل الدولة ولا يفقهان بالافكار و البرامج السياسية بالوانها الايديولوجية المختلفة في مختلف الحقول والسياسة بالنسبة لهما هي شخوص ودسائس ومصالح وصفقات لا اكثر. وبعد تبادل الكثير من القصص والاخبار والاكاذيب اتفقا بمؤازرة احدهما للاخر مستقبلا وهو بيت القصيد.
واخيرا وبعد دعوة بعضا من وسائل الاعلام ولتوثيق هذا الانجاز العظيم يجلس صاحبينا على كراسي ملكية وامامهم باقات كبيرة من الورود المستوردة من هولندا وخلفهم الاعلام العراقية المصنوعة في جمهورية الصين الشعبية (بالرغم من عدم تربع اي منهم على منصب رسمي) واعلام اخرى لايفقه معناها ولايريد ذلك من امثالى. ينبرى ابو علان فيقول, بعد البسملة طبعا, بان “أرائي ومواقفي ومواقف اخي وصديقي الشيخ الحاج المجاهد السيد معالي الاستاذ الدكتور العلامة فلان والذي كانت قد صدرت علية كما صدرت علي انا ثلاثة احكام بألاعدام في عهد النظام السابق, متطابقة و بعد مداولات عميقة ومعقدة وطويلة اتفقنا على أستراتيجيات لحل جميع مشاكل العراق وتطويره انشاء الله ليكون اكثر بلدان العالم ثراءا وامنا وتقدما وسعادة ولا اريد ان اكشف الان عن المفاجئات السارة الاخرى وهي لاتعد ولاتحصى. سائلين الله ان يقدرنا على خدمة الوطن والتضحية من اجله بكل مالدينا من غال ونفيس كما كنا نفعل دائما” فيقول ابو فلان “أمين”.
 وعندما يختليان ثانية لتوديع بعضهما يقول ابو علان بانه على عجل للعودة الى قصره في لندن مساء اليوم لكي يتمكن من حظور زواج ابنته الصغرى غدا والتي سوف تسافر بعد غد الى جزر الهاواى في المحيط الهادي لقضاء شهر العسل لان لندن مزدحمه هذه الايام. وينبرى ابو فلان فيقول “والله حق” وانا ايضا تعبت من بيروت فقد بدات الحرارة تتصاعد هناك لذا سوف اسافر الى سويسرا كم يوم. ويجيب ابو علان بالقول نعم نعم علينا الان ان نستمتع بمباهج الحياة بعد تضحياتنا الكبيرة وجهادنا الطويل وبعد كل الذي عانيناه في مرحلة النضال السري. وقبل خروجه يهمس ابو علان في أذن صاحبه قائلا  “الله يخليك ابو فلان لاتنسى ترتب عقد استيراد المكائن الثقيلة الاخير ابو العشرين مليون دولار الذي تفاهمنا عليه مع ابن اخيك وكيل وزارة .