في كتاب كليلة ودمنة قصص على لسان الحيوان , كلها عبر ومواعظ للإنسان عن طريق الحيوان , علَّ هذا الإنسان يعض على شفتيه وهو يرى كيفية التعامل الإنساني بين الحيوانات .
يبدو أن الفيسوف بيد با مؤلف الكتاب لم يجد وسيلة أفضل من لغة الحيوان لتفهيم الإنسان وليس العكس , فقد عجز عن النصح والوعظ وذهب كلا مه أدراج الرياح , فكتب على لسان الحيوانات قصصه المعبرة عما يدور في الدنيا , فإن قرؤها وأتعظوا فتلك أمنيتة وأن لم يتعظوا فإن زمان تبادل الأدوار قريب, سيأتي ذلك اليوم الذي يذهب الناس إلى حضائر الحيوان وتحل الحيوانات محلهم , وعلى قدر الظلم الذي لحق من الأنسان ربما سيكون الحساب عسيرا , غير أن الحيوانات حين تجد ما كتب بيدبا عنها ستسامح وتتعايش وإياهم بمودة وستتفاجأ أن هناك من البشر من مدحها وأثنى عليها , حتما ستغير نظرتها وتشعر بالخجل من تصورها الخاطيء عن ظلم الإنسان , فالإنسان لم يظلم الحيوان وإنما ظلم نفسه وأخيه الأنسان الآخر .
أعود لواحدة من القصص المثيرة : ذات يوم تعرضت أعشاش البوم إلى عدوان آثم ولأنه لا يستطيع الطيران نهارا أصبح ضحية لهذا العدوان فإستجار ملكهم بملك الغربان , مع أن العلاقة بينهما ليست على ما يرام , لكن الملك أستمع اليه وعرض الرأي على جماعته . قال : إتركوا ما بيننا وبين البوم , فقد إستجا روا بكم , مما لحقهم من الأعداء طالبين المساعدة , وعليكم إلا تكونوا قبحاء معهم , فمن العيب الشماته , ومن العيب الحقد والضغينة .
وتنتهي القصة حسب طلب البوم من التعاون ومد يد المساعدة والوقوف بجانب المظلوم ونصرة من يستحق النصرة أمور تتوقف عليها ديمومة الحياة , وبدونها لا تسير الأمور كما يجب , لأن دولاب الحياة في تغير مستمر . فالظلم كالليل سرعان ما يكتسحه الضياء . لكن اللافت أن :
الغربان طيور والبوم حيوانات .
والبوم ليليلة والغربان نهارية .
والبوم تلد والغربان تبيض .
والبوم يعيش على شكل جماعات والغربان فرادا .
لا توجد صفات مشتركة بين الأثنين إلا اللهم الجميع خلقة رب العالمين وهو يريد ذلك لأن الإعتداء على أحد المخلوقات أعتداء على إرادة الخالق . فما بال البشر الذين خلقوا من نفس واحدة , وولدوا من نفخة الخالق بتراب الأب الأول آدم عليه السلام , وفيهم من العوامل والصفات والميزات المشتركة تكاد تجد الواحد في صورة الآخر , وهم من القسوة والجبروت والفتك بعضهم ببعض , هل أن ميزة العقل عند الإنسان وجدت لكيفية تحقيق أهدافه حتى إذا كانت على حساب أخيه الإنسان ؟ .
هذا على مستوى الأفراد العاديين كمخلوقات يفترض فيها روح التحابب والمودة , وإذا ما ذهبنا إلى رجال الدين وأول الأمر والمتبسملين والمتحوقلين والمتشدقين بكل صغيرة وكبيرة والمرهبين الناس بالفتوى والحل , نجدهم أكثر فتكا وولوغاً بالدم الحرام , وإذا كنا نعاني من رجال السياسة كأناس غَّلبوا مصالحهم الشخصية على مصالح العباد , فان رجال الدين الذين إنخرطوا في عالم السياسة أضافوا خبرتهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام لخبرة السياسين فكانت الكارثة .
عندما يصل المجتمع إلى هذا المستوى من التعامل فويل للمواطن , لعل السبيل الوحيد هي الشكوى , والشكوى لا تحل مشكلة بقدر ما تخلق اليأس . بالله عليكم يا سياسي المرحلة فكوا عروة الشد بينكم وبين رجال الدين وأنتم يا رجال الدين أتركوا الإنسان وربه فما عادت فتاوكم إلا وبال عليه . فالله يضع مئات الأ سباب لمسامحته وأنتم تضعون آلاف الأسباب لتكفيره . هل هكذا يكون ثوب رجل الدين ونهج السياسي !؟.
يوم كتب بيد با قصة البوم والغربان كان البشر أفضل بكثير من الآن والسلطان أكثر عدالة وأقل جشعا. ورجل الدين أكثر ورعا وعفة , أما الآن فويل لك من سياسي متدين , ومتدين متسيس .