مذ ان اكتشفت بالصدفة هذا المسلسل بعد ان فاتني سبع حلقات منه ، تابعته يوميا لان ثيمته كما يدلل عليه الموضوع تمثل جزءا حياتيا مهما معاشا والمتمثل بحياة داعش ،وخصوصا ان الجهة المنتجة هي اصلا متهمة بتمويل الارهاب وانبثاق الحركات الارهابية وديمومتها .
فدعوني واياكم -الذي يهمه الامر او يسمح وقته – لنتصفح قرائتي المتواضعة لهذا المسلسل :
العنوان :
العنوان فيه شيء من الغرابة حيث ان الغرابيب كما جاءت بالقران الكريم وحسب معناها العربي فهي تمثل الجبال السود ، فهل ان المنتمين له هم جبال والجبل بالمفهوم العربي اباء وشموخ ، فهل كان العنوان مقصودا ام سقط في المتناقضات غير المدروسة لهذا المسلسل والتي اضعفت بنيانه الى ان وصل حد الهزال .
الاخراج :
لا اعلم وكوني غير ذي اختصاص هل يجوز ان يخرج مسلسلا ثلاث مخرجين وكلنا نعلم بالمثل القائل ” السفينة التي يكثر ربانها تغرق ” وهذا ماحصل فعلا للمسلسل الذي غرق في بحر تخبطاته المختلفة .
المعالجة الفنية :
لو استثنيا الازياء والماكير الذي برع فيها الايرانيون وشرحنا باقي التفاصيل بمبضع متلقي مثقف لوقفنا عدة وقفات منها :
١. حشو الممثلين حشوا من كل بلد عربي مؤثر في الخارطة العربية ، وذلك للدلالة على ان داعش لايمثل بلد ما وانما هو عبارة عن تجمع من بلدان مختلفة وهذا مقارب للحقيقة الا ان المخرجين كانوا باستطاعتهم ان يستعيروا عن الزوائد منهم بدلالات فنية كحوار او كصورة … الخ ، وحاولوا ان يقسموا دور البطل ليوزعوها على الجميع فضاعت الذروة .
٢. الزمن كاد ان يعدم او ينحصر في دائرة ضيقة لا تتناسب وبناء ( تنظيم الدولة ) ؟ فلو عرجنا على مشهد القصف فزوجة او محضية الامير كادت تموت بضربة قاصمة وبخشبة اخترقت جسدها اخذها الى المستشفى وعولجت وطابت جروحها وجروحه واختفى بطريقة غير مبررة واشيع انه مات وتخاصم الخصوم ودست الدسائس ومن ثم عاد ولازال الليل هو الذي يحدد زمن المشهد اقصد ليلة قصف التحالف .وعلى غرار هذا المشهد كانت اغلب مشاهد المسلسل وكأن الزمن قد توقف عندها !.
٣.الاحداث ( الثيمة ) :
هنا حدث ولا حرج من تخبط وعدم دراية لا تليق بهاوي فكيف بمحترفين؟ فاموال طائلة صرفت على هذا المسلسل وانه -اي المسلسل – يحاسب حقيقة تاريخية مجتمعية شغلت ولا تزال تشغل العالم اجمع ، وفي تصوري الاهم من كل هذا الموضوع وصف حقيقة وتاريخ المنتمين الى داعش وخصوصا وكما هو معروف بان اغلبهم يعانون من ازمات نفسية واجتماعية واجرامية حادة فضلا عن بعض المؤمنين العقائدين القادمين من خلفيات دينية متشددة منطلقة من فكر ابن تيمية وما مثلته الوهابية ، هؤلاء هم من يمثلون حقيقة الدواعش
حاول المخرجون ان يجعلوا شخصا ثائرا بين الدواعش المتمثل بشخصية ادهم الممثل اللبناني (جو طراد) حيث قام بقتل ابرياء في المستشفى وقام باعاقة شخص اخر سعودي وذلك ليزرعه كجاسوس لديهم هو وسعودي اخر كبير السن كان كاتبا (الممثل راشد الشمراني ) وجاء لينقذ ابنته المتطوعة بقناعة هي وزوجها في صفوف داعش ، الجاسوس المصاب لم يكن له اي دور حتى نهاية الحلقات ليهرب ويقتل برصاصة من الخلف ، اما الكاتب ( التائب) فكان حكيم المسلسل تجده في كل مكان متفرج متبسم وناقل الحدث واذا يضطر يساعد وكانه شبح لا احد يستطيع الامساك به ، والنساء رغم ان اسباب انتمائهن الى داعش قاربت الحقيقة في بعض جوانبها الا ان حياتهن داخل البيت الداعشي مليء بالمغالطات على حساب الحقائق .
الواقع والمتخيل:
مما لاشك فيه بان كل عمل درامي مهما كانت حقيقته التاريخية يجب ان يكون للمتخيل فيه جزءا مهما من الحبكة فاذا ما نجح المتخيل باثراء الحقائق من خلال موائمة متقنة سينتج لنا عملا ابداعيا جميلا . في هذا المسلسل كان المتخيل فجا وكانك ترى احد المشاهد من الافلام الهندية الهابطة والمستهلكة ، منها مثلا مشهد ظهور (ادهم ) ليقتل احد ( الثوار ) الذي اراد اغتيال الامير ( ابو طلحة ) الممثل السوري (محمد الاحمد) وكل هذا ليتقرب من الامير لاغتياله ؟ وكم مرة ومرة كان بامكانه ان يقتل الامير ولكنه لم يفعل .
الطفل الذي اغتال امه الامير بعد ان كشفت عنها النقاب في السوق وهي تبيع السمك اخذه ورعاه على الطريقة الهندية ايضا .
المؤلف سقط في فخ التداخل الحكائي وهي الطريقة التي يعتمد فيها على محاكاة الواقع ظاهريا والولوج في العالم الانساني والنفسي بذات الوقت ، والذي ربما كان -الكاتب -متقنا ادواته تلك ، الان ان هذا التداخل يحتاج الى يد ماهرة لفك لغزه واظهاره بمشهد لايكون فجا ومستعجلا لان مثل هذا المشهد يحتاح الى تؤاىم للصورة الحاضرة (والفلاش باك ) والموسيقى التصويرية المناسبة وحركة كامرة محترفة ، بتصوري لم يوفق المخرجون بكذا مشهد من هذا النوع فظهرت لنا المشاهد مبتذلة .
المشاهد الهابطة من حيث الحبكة والتمثيل
اغلب المشاهد هابطة جدا اذكر منها :
مشهد التخطيط من قبل الامير مع زوجته لتفجير مكان اجتماع معارضين لداعش
مشهد ( ابو الدرداء) الممثل العراقي عزيز خيون وهو يحاول اغواء امراءة وما لحقها من تحقيق وارتباك ومن ثم غلق الموضوع مع انه كان الثيمة الرئيسية له
مشهد ( ابو الدرداء ) مع ( ابو مصعب ) في تصفية حساباتهم
مشهد وصول العربي الفرنسي مع زوجته من لبنان الى مقر داعش وبسيارته الخاصة وامراته مخدرة وكانه ذاهب لنزهة ، وتحولها الى داعشية بممارسة فجة ومن ثم محاولة هروبها بعد ان قتل زوجها بالقصف .
مشهد الطيار والقبض عليه ومن ثم محاولة تهريبه والانكى من كل ذلك بانه يتخفى مع النساء ويكون في مشهد مع المقربات جدا من القائدة اي مع النساء القياديات والتي توزع عليهن مهام تجنيد النسوة عنوة ولاخر لحظة يكون الطيار المتخفي بقرب القائدة ( والله عيب عليكم مخرج طفل لا يسقط هذه السقطة ) .
مشاهد الامير وغرامياته واختيارهم اميرا وسيما على طريقة هوليود او بوليود -وعلى حساب الاداء والتمثيل- حيث انه يكثر في حركات المسرح على طريقة الهنود الذي تدور حولهم الكامرة، وتلك الغراميات التي اوصلته بان يضحي بالامارة من اجل حبه واخرها المشهد النهائي الغير مبرر جدا والذي صور بطريقة الاكشن الكلاسيكية والمستهلكة والهابطة جدا .
وهناك المشاهد التي تصور بطريقة التصوير البطيء وغيرها .. وغيرها لا يسعني هنا ان افكك المسلسل كله .
على العموم المسلسل من بدايته لنهايته فاشل ارتكز على استغفال المتلقي والاستخفاف به حاولوا لصق هذا بهذا مع بعض المؤثرات الصوتية واللونية والاكشن غير المبرر والفلاش باك على الطريقة المصرية البالية وكذلك الاكثار من مسرحة الممثل على حساب التمثيل العفوي ، حتى يقنعوا المشاهد بانه هذا المسلسل ناجح وجريء وبمستوى الحقيقة التاريخية والواقعية لما حدث ولا يزال يحدث في اروقة داعش ، ارادوا تصوير داعش بانهم مجموعة من الانتهازيين والوصوليين لا كما معروف عنهم بانهم يحملون فكرا عقائديا متجذرا نابع من مدارس الكره والتشدد الاسلامي ، واغفال المجازر التي قاموا بها ضد المسلمين الشيعة بتاكيدهم على الايزيدين وكذلك اغفال حق المقاتلين العراقين من قوى الامن والحشد الشعبي ضدهم بتسويق ان من يقاتلهم هم قوات التحالف فقط ، واغفال متعمد للدعم اللوجستي والاعلامي لدول ومحطات تلفزيونية والتي ساهمت بالبربوكاندا المبيرة لهذا التنظيم الارهابي .
العمل فاشل زمنيا ومناطقيا وحوارا الا مارحم ربي اسثني منه اداء الممثل السوري (شادي الصفدي ) بدور ابو مصعب والممثلة السعودية (اسيل عمران ) بدور (ام القعقاع ) الباقي مسلسل يجب ان يرمى بسلة المهملات ، الا اننا لانغفل ايجابية ونشكره عليها الا وهي بانه قارب حقائق بعض من انتموا اليه بدوافع (اجتماعية ونفسية وجنسية ) مريضة وهذا شكل مجازا للتعريف بحقيقة بعض الدواعش . كل هذا يدعونا لان نستحث طاقاتنا العراقية من كتاب ومخرجين ومنتجين وبالاستعانة بالايرانيين -لتميزهم الواضح في مجال الفن – لننتج مسلسلا يحاكي داعش عن قرب كبير من مبدا “اهل مكة ادرى بشعابها” .