23 ديسمبر، 2024 1:53 م

غباء الساسة العراقيين في قراءة المشهد إقليمياً ودولياً

غباء الساسة العراقيين في قراءة المشهد إقليمياً ودولياً

ان فطنة وبراعة أي مسؤول سياسي ، وفي أي بلد من بلدان العالم ، للتعامل بالظروف العامة المحيطة بالبلد ، وخصوصاً في الظروف الإستثنائية والمصيرية ، تعتمد على عدة إعتبارات مهمة في مقدمتها ثقافة ذلك المسؤول وبراعته وإدراكه ووعيه بكل ما يحيط بالشأن السياسي من ظروف وأحداث ذات أبعاد محلية أو إقليمية أو دولية وتأثيرات ذلك على واقع البلد ومستقبله سياسياً وأمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً ، إضافة الى حزمة المبادئ التي يؤمن بها السياسي وتربى عليها . فعندما يكون المسؤول السياسي يجمع ، بتوليفة منطقية ، بين التعلم والثقافة والتحضر والإدراك والخبرة والشعور بالمسؤلية الوطنية عندها تصبح قرارات ذلك المسؤول ، مهما كانت ، مقبولة وموثوق بها من قبل الشعب وتصب بالنتيجة في صالح المجتمع حاضراً ومستقبلاً . أما إذا كان المسؤول السياسي غير متعلم وغير مثقف وغير متحضر وغير مدرك وإنتمائه الحقيقي لغير الوطن فإن كل ما يصدر عنه من مواقف أو قرارات ، مهما كانت ، فسوف تكون في غير صالح المجتمع وقد يودي بمستقبل البلد وحتى وجوده ، وهناك من الأمثلة الكثيرة والتجارب في العالم على ذلك . ما نستهدفه من هذه المقالة هو إختبار مدى درجة ذكاء الساسة العراقيين اللذين يحكمون البلد والمؤثرين في المشهد السياسي عموماً في تقييمهم للواقع محلياً وإقليمياً ودولياً .
في بادئ الأمر ان من يتحكم في العراق بكل مفاصل الدولة وقرراتها سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي أو القضائي هي أحزاب الإسلام السياسي ومليشياتها المسلحة والكيانات المشابهه لها بشخوصها وقياداتها ومراجعها المعروفة . ومثل هذه الأحزاب والكيانات بقياداتها لا تمتلك أبداً أي من مقومات التقدم أو التحضر أو الإدراك أو الثقافة ، بل بالعكس جميعها أحزاب وكيانات مغلقة تحكمها مبادئ وأصول متخلفة مبنية على التخلف والغيبيات والدجل والإيعاهات المخدرة للعقل البشري . من السهولة إثبات ذلك من خلال ما يمارسه الساسة والقادة والمسؤولين في المواقع المتقدمة في الدولة وغيرهم ممن ينتمون للتيارات الإسلامية أو المحسوبين عليها أو المؤتلفين معها من شعائر وطقوس وممارسات لا تنم عن أي مستوى من التحضر والوعي المنطقي . ويكفي مثالاً واحداً للدلالة على غباء معظم الساسة في العراق ألا وهو قيام معظم المسؤولين الكبار من أصحاب القرار في الدولة العراقية ، بعدة مناسبات ، بلبس السواد واللطم وزيارة المراقد والدعاء طلباً لنصرة البلاد ضد مخططات الأعداء وحل أزمات ومشاكل العراق من سوء الخدمات والفقر والبطالة والفساد . أي الدعاء مفتاح الفرج والبقية على الله . وليس أكثر دلالة على مستوى ذكاء القادة الكبار في تحليلاتهم ومناقشاتهم في قضايا مهمة وحيوية بأن يحلِف مثل هؤولاء المسؤولين ” تيجان الرؤوس ” بالعباس والحسين وعلي الكرار وغيرهم لإثبات صحة موقفهم وقرارهم وكأن للمنطق والدلائل والإثبات المعرفي لا وجود لها في عالم السياسة وإدارة الدولة . لذلك من الغرابة ، على سبيل المثال ، لماذا لا نجد أعضاء مجلس النواب يصوتون على القرارات برفع الأيدي دون أن يحلِفوا بالعباس والحسين أو بأبي حنيفة أو بالمسيح كل حسب إنتمائه الديني والطائفي وبذلك تصبح القرارات مقدسة ومؤكدة التحقيق مئة بالمئة ولا يجوز للشعب الأعتراض عليها . الخلاصة أن أي قرار أو تصريح يدلي به المسؤولين لا بد وأن يُقترن بالحِلفان والقٓسٓمْ بالعباس أو بغيره من الرموز المعتمدة لكي نضمن تحقيق الأهداف .
من الأمور الأخرى التي تثبت مدى ذكاء الساسة العراقيين قيام أحدهم ، وهو من أكبر الرموز الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي العراقي ، بإعتماد قصاصات ورقية وبلغة الأميين والجهلة لتوجيه سياسة معينة أو قرار معين لمسألة مهمة قد تؤثر على مستقبل البلد . والغريب في الأمر أن تأثير محتوى هذه القصاصات الورقية كبير جداً في المشهد السياسي العراقي . ومثل هذا التأثير ناتج بالتأكيد من كثرة الأتباع من البسطاء الجهلة والمغيبين لذلك الرمز الديني السياسي الجاهل والمتخلف حضارياً وثقافياً . لذلك فقصاصة ورقية قد تسقط حكومة أو تزج البلد في متاهات لا مخرج منها أو صراعات وَوَيْلات للمجتمع عموماً . كذلك هناك رموز سياسية دينية ميليشياوية مسلحة أخرى لاتقل خطورةً وتأثيراً في المشهد السياسي عموماً عن رمز القصاصات الورقية ، تصرح وتتبنى مواقف خطيرة ذات أبعاد فئوية تخدم أجندات خارجية دون أي فهم أو إدراك أو تحسب لتأثير مواقفها على العراق ومستقبله . فمثل هذه الرموز تعمل خارج إطار الدولة وحكومتها المنتخبة شكلياً . وقد ينتج عن مواقف مثل هذه الرموز غير الواعية الى مشاكل عديدة تودي بمستقبل البلد . ومن أهم بعض المواقف ما يتعلق بالتواجد الأمريكي في العراق وتصريحات قادة هذه المليشيات ” العنترية ” بإخراج التواجد الأمريكي بالقوة والسلاح وكأن ليس هناك دولة وقوانين وإتفاقيات . المؤسف إن جميع هؤلاء ، حدود تفكيرهم وإدراكهم لا يتعدى ثقافة أي معمم جاهل أو شيخ عشيرة غير مثقف أو غير متحضر يدير مجموعة بليدة وخانعة لأوامره بحيث يشعر ضمن الظرف العام بأنه زعيم وقائد للأمة وينسى حجمه وواقعه الطبيعي . هؤولاء هم قادة وزعماء العراق في المرحلة الحالية وهم بواقعهم وثقافتهم وخلفياتهم من سيتخذ القرارات المصيرية للعراق .إن ما يدور من أحداث متسارعة وتطورات في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً والتوجهات والتحركات الدولية ، خصوصاً الدول العظمى ، بخصوص المشاكل المعقدة التي تواجه العالم تعطي مؤشرات ودلائل واضحة بأن منطقة الشرق الأوسط ستواجه تحديات كبيرة وتغيرات واضحة سياسياً وجغرافياً . ويأتي في مقدمة الصراعات الأقليمية والدولية القرار الأمريكي بخصوص الحد من النفوذ الإيراني ودورها المشبوه في دعم وتمويل المليشيات المسلحة في عدد من الدول وتعريض المنطقة الى مخاطر الإرهاب وزعزعة السلم حسب رؤى الإدارة الأمريكية . ومن البساطة جداً وبتحليل منطقي وموضوعي يمكن لأي محلل ومتابع سياسي أن يشاهد صورة واضحة لما يدور في العالم لكي يستخلص النتيجة النهائية من ترابط الأحداث وعلى جميع المستويات . فمن المؤكد أن منطقة الشرق الأوسط تخضع لسيناريوهات جديد أبعادها مرسومة ومعلومة للقوى الكبرى ولكنها غائبة تماماً عن معظم السياسيين العراقيين ، الذين يمثلون الإسلام السياسي ، لأنهم ليس جهلة بتكوينهم فقط ولكن لأنهم بثقافتهم غير مدركين للواقع الدولي والإقليمي وما يدور من أحداث .
في ضوء كل ذلك ، وتحت ظل النظام الإسلامي السياسي برموزه المعروفة وقياداته المتخلفة ثقافياً وحضارياً وإدراكاً ، وفي ظل تحليل الواقع وسير الأحداث في العراق وطبيعة الصراعات في المنطقة وإعادة هيكلة المصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط فإن العراق ، بقرارات ومواقف قياداته ورموزه الحاكمة بشأن الصراع الإقليمي ، سيذهب الى متاهة معقدة وصراعات بين فئات المجتمع وسيكون العراق بالتأكيد ، تحت حكم هؤولاء الجهلة ، ساحة الصراع وسيفقد العراق عدد كبير من أرواح مواطنيه وتبذير معظم موارده في حروب في غير صالحه ولكن خدمةً للغير . وهذا بحد ذاته إثبات لغباء ساسة الإسلام السياسي الذين يتحكمون بمقدرات البلد وبموافقة الأغبياء من الشعب العراقي الجاهل والمغيّب الذين أوصلهم للسلطة . ستواجهون الكارثة أيها الأغبياء خلال هذا العام ٢٠١٩ في بدايته وليس في نهايته . للمثقفين والواعين من أبناء العراق الأصلاء تذكروا هذه المقالة لأن ماكتبته سيتحقق فعلاً إذا أستمر حكم الإسلام السياسي المتخلف .