5 نوفمبر، 2024 6:41 ص
Search
Close this search box.

غالب الشابندر.. استاذي ومعلمي ورفيق درب طويل

غالب الشابندر.. استاذي ومعلمي ورفيق درب طويل

من سوء حظ اي مجتمع ان لا يقدر مفكريه ورواده حق قدرهم،  والا يكرمهم بما يليق بهم والا يستفيد من عطاءاتهم وافكارهم في حياتهم. وعادة لا تجود المجتمعات بكثير من الرواد، حيث ان مقاعد الريادة في المسرح التاريخي محدودة، وغير متوفر لكل راغب، انما هي محجوزة للمجددين واصحاب العبقريات والكفاءات والقدرة على الابداع والتجديد والعطاء والانتاج. وهؤلاء قليل.
يبدو ان مجتمعنا العراقي يعاني من سوء الحظ على درجة ما. فنحن نقدر الرجل على اشياء كثيرة، لكن نادرا ما نقدره على علمه وابداعه وافكاره. وسوء الحظ هذا يؤدي الى التسبب في معاناة هؤلاء الرواد وشعورهم بالمظلومية بل واليأس الى الدرجة التي قد يفضلون معها الموت على الحياة.
غالب الشابندر من هؤلاء الرواد المظلومين الذي تعرضوا للاضطهاد السياسي والجسدي في نظام الطاغية صدام الدكتاتوري وتعرضوا للاهمال والجحود في ظل النظام “الديمقراطي” بعده. وبدل ان يشده النظام الجديد الى قلبه النابض وعقله المفكر، عمد الى تهميش الشابندر واهماله وعدم الاحتفال بالطاقات الجمة والكثيرة التي تنطوي عليها شخصيته المبدعة والمرهفة الاحساس.
ولمن لا يعرف غالب الشابندر، ويؤسفني ان استخدم عبارة “لمن لا يعرف”، لأن غالب ليس بحاجة الى تعريف، اقول ان غالب الشابندر من الرعيل الاول من  المربين والمعلمين و الدعاة الى الاسلام بالفكر والحجة والبرهان والدليل. واني لأفتخر ان اكون احد تلامذته حيث درست على يديه كتابي “فلسفتنا” و”اقتصادنا” للسيد الصدر في ستينيات القرن الماضي. وكنا نفزع اليه حين نحتاج الى حجة او رد على من كنا نصادفهم من علمانيين او مخالفين لتوجهنا الفكري الاسلامي الصدري في تلك الفترة.  ونهرع اليه حين يقع حدث سياسي يستعصي علينا فهمه وتحليله، حيث كان الشابندر مدرسة في التحليل السياسي. كان الشابندر قد جمع بين يديه علوما ومهارات شتى مما يصعب على غيره تحقيقه. فهو استاذ في الفلسفة والفقه والتاريخ والجدل والماركسية والوجودية والكثير من مجالات المعرفة التي كنا نتوق الى اكتسابها وتعلمها في الستينات من القرن الماضي. كما كان مناضلا صلب العود تعرض للاعتقال والتعذيب عدة مرات على ايدي ازلام النظام البعثي الصدامي. وعندنا بدأت  هجرة الدعاة بعد اشتداد الهجمة البعثية علينا، كان غالب ممن ذهبوا الى الكويت، لكي نلحقه هناك ونواصل التعلم على يديه. وبعد ان انتصرت الثورة الاسلامية في ايران، كان من اوائل الذين ذهبوا الى هناك، ليعود مرة اخرى الى الكويت لينقل لنا نظراته الثاقبة عن الاوضاع الايرانية بعد الثورة، قبل ان نرحل جميعنا الى هناك.
في طهران كان الشابندر كاتبا دائما على صفحات جريدة “الجهاد” التي كنت ارأس تحريرها. احلى ما في غالب حين يتعلق الامر بالكتابة الى صحيفة هي قدرته على الكتابة حسب الطلب: موضوعا وحجما وتوجها، ولم تكن مقالاته تشكل لي مشكلة من هذه الناحية على عكس الكثير من الاخوة الذين كانوا يكتبون للجهاد على امل النشر فيها، دون ان يراعوا الاعتبارات الصحفية والمهنية والفنية.
وفي بيروت-دمشق كان الشابندر مبدعا دائما على صفحات “البديل الاسلامي” التي كنت ارأس تحريرها ايضا. وهناك كان الكثير من الدعاة يتحلقون حوله وهو يلقي عليهم محاضراته ونظراته العميقة بالشان العراقي والعالمي والفكري والسياسي. وكان من اوائل الذي توقعوا اندلاع ثورات الخبز في الشرق الاوسط والعالم العربي وهي نبوءة تحققت في اطار ما سمي الربيع العربي.
يطول بي المقام اذا اردت ان اسرد كل ما اعرفه عن غالب. لكني اقول مختصرا ان الرجل استاذ ومعلم ومربي ومناضل قل ان نجد له نظيرا في العراق.
وبالنسبة لرجل مثله، سيكون من حظ العراق لو احتضن مفكره الكبير واستفاد من علمه وعقله ونظراته الثاقبة ورؤاه الاستراتيجية خاصة فيما يتعلق ببناء الدولة ورسم خططها العامة وسياساتها الخارجية. واني امل ان توفيه الدولة العراقية حقه ومكانته في حياته، حيث  لا معنى لأي تكريم بعدها!
 واذا كان كل بني ادم خطائين، فان من المجدي لنا ان ننظر الى الرجل منا من زاوية حسناته، تاركين زلاته وسيئاته الى الله وحده.
بالنسبة لي، سيبقى غالب الشابندر معلما واستاذا ورفيق درب طويل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات