انتهت الحملة التي وُجِهت بالضد من تصريحات رئيس الوقف الشيعي، وصار من الممكن طرح وجهة نظر هادئة عنها، وجهة نظر لا تُحمِّل الرجل وزر خطاب لا يتحمله وحده لأنه خطاب الدين، فهو لم يُعبِّر عن رأيه بل عن موقفٍ فقهيٍ متفقٌ عليه، ولا يجوز لنا في مثل هذه الحالات ترك الاسباب والتحامُل على النتائج، خاصَّة وأن الأعم الأغلب “ممن تُثنى لهم الوسائد في الفتيا” لا يُشَكِّكون بصدقِ ما قاله الرجل.
على هذا الأساس وإذا أردنا أن نوقف، بصدق، خطاب الكراهية وممارسات العنف الموجه ضد المختلف، فعلينا أن لا نكتفي بالانتقادات “الفيسبوكية”، بل بمطالبة المؤسسات الدينية بتحمل مسؤوليتها وإجراء مراجعات حقيقيَّة نقديَّة دقيقة وصارمة لكل التراث الديني، عليها أن تتحمَّل مسؤوليتها في انقاذ الرب الذي تعبده من جرائم القتل والسبي والاغتصاب والاسترقاق.
لكن كيف تتم المراجعة؟ هذا هو السؤال الصعب، ومن وجهة نظري فإن أي مراجعة لا تشمل القرآن فإنها ستكون ناقصة، والقضايا التي يمكن مراجعتها بهذا الخصوص كثيرة مثل شمول حقيقة أن القرآن كلام الله لكل ما بين الدفتين من نصوص، وإذا كانت هذه القضية عصيَّة على المراجعة فيمكن الانتقال إلى مراجعة تنقيط القرآن وتشكيله والسياق الذي وردت فيه آياته واستثمار أسباب النزول في تحديد مقاصد هذه الآيات!
أمثال هذه المراجعات ضرورية، وإذا كان الحرص على الدين لا يدفع احداً لإجرائها فيجب أن تكون دماء الأبرياء دافعاً كافياً. ومع ذلك وإذا كان التشكيك بما بين الدفتين يوجب المروق عن الدين ويصعُب تناوله فيمكن مراجعة قضايا أخرى، مثل قضيَّة مناسبة القرآن لكل زمان ومكان، فهي مع ضعف الأدلة عليها إلا أنها تتسبب بشكل مباشر بجميع الجرائم التي تُرتكب باسم الدين، لأنها توجب تطبيق الاحكام نفسها التي شُرِّعت قبل أكثر من الف سنة على حاضرنا الراهن! هذا من جهة ومن جهة أهم فإن الذي يستحق أن يُناسب كل زمان ومكان هو كلام الله وحكمه وهذا الذي يتم تطبيقه علينا هو اراء المفسرين واحكام الفقهاء لا مقاصد الله وأحكامه.
بعبارة أخرى يمكننا، مثلاً، التسليم بان الآية التي تقول: “وقاتلوا المشركين كافَّة كما يقاتلونكم كافَّة”، وبالتشكيل والسياق الذي وردت به هي كلام إلهي، لكننا لا نُسلِّم بأن الجهة أو الجماعة التي يَعْتقد الفقهاء الآن بأن كلمة “مشركين” تنطبق عليهم هي نفس الجهة أو الجماعة التي قصدها الله في وقت انزال الآية، فهذه عملية تدليس كبيرة يتم عبرها تمرير راي الفقيه او المفسر عبر فم الرب، كما أننا لا نُسلِّم بأن صيغة فعل الامر الواردة في كلمة (وقاتلوا) تجعل مفهوم القتل واجب التطبيق، لأن الله لم يقل لنا بان صيغة فعل الامر حيث ما وردت فإنها تعني او تساوي الوجوب، بل هذا رأي آخر يمرر عبر فمه.
ما اريد الوصول إليه هو أن رجال الدين يتحدثون باسم الله من دون مبرر مقنع، وليت حديثهم يتوقف عند الْحِكَم والمواعظ، لكن المصيبة انهم يوجبون قتل الناس أو سلبهم أو تهجيرهم أو استرقاقهم باسمه ومن دون ان يرفَّ لهم جفن!
يفترض بجميع من صدمهم خطاب السيد الموسوي، أن يطالبوا “المؤسسات” الدينية بالشروع في عملية مراجعة للكثير من الزيف الذي ترفض لاعتراف به، الزيف الذي جعلوه في أصل الدين وليس كذلك، الزيف الذي يجعلنا نُقْتَل باسم الدين ونوشك أن نُسترقّ باسمه. وإذا لم ندفع باتجاه إجراء هذه المراجعات فلنكُفَّ إذن عن لعن داعش او استنكار خطابها، فداعش لم تفعل شيئاً غير انها شَرَعت بتطبيق الدين، كما هو، من دون مراجعات وتنقيحات.
نقلا عن العالم الجديد