18 نوفمبر، 2024 3:38 ص
Search
Close this search box.

عَن القَمع ِ في سجون العراق ..

عَن القَمع ِ في سجون العراق ..

هل يمكن أن نُشكِك بمصداقية ماكانت قد عرضته قناة الشرقية يوم أمس الاربعاء 12/ 12/ 2012 من لقاءات ٍمع نساء عراقيات كُنَّ  في وضع مؤلم ٍلايُحسَدنَ عليه ،إستَعرَضنَ فيها ماوقع عليهن من ظلم وقهر، بكلمات ٍموجعة ٍ،ودمعة ٍحارقة ،وصرخات استغاثة لم يترددن في إطلاقها من حناجر مبحوحة ٍ،من كثرة النواح، الى كل رجل حر ٍوشريف في هذا البلد سواء كانوا رجال دين أو شيوخ عشائر أوحتى مسؤولين لازالت لديهم  بقية ضمير ٍ حي . هؤلاء النسوة كان أزواجهن وأبنائهن قد تعرضوا إلى التعذيب والاغتصاب داخل السجون العراقية،إضافة الى إجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها أصلا حسب أدعائهم ،لكنهم أقروا بها ، تحت الضغط والتهديد من قبل سجانيهم بانتهاك اعراض نسائهن !
يبدو من سياق الاحداث، أن الاجراءات التعسفية التي كانت قد أعتادت على ممارستها إدارات السجون العراقية خلال أكثر من نصف قرن من حكم الانظمة السياسية التي تعاقبت على ادارة العراق لم تتوقف ولم تتغير حتى في ظل سلطة  العهد الجديد الذي جاء عام 2003 . بل إن ماجرى خلال الاعوام العشرة الاخيرة،وماتم توثيقه من قبل المنظمات الدولية التي ترعى حقوق الانسان،يشير إلى أن الاجراءات الغير قانونية والاساليب اللانسانية في التعامل مع المعتقلين قد إزدادت قسوة ًوبشاعة ً، كما أن العراق ولاول مرة اضاف اسلوباً جديداً ومبتكرا ً الى قائمة اساليب التعذيب وذلك في استخدام ( آلة الدريل) بأعتبارها طريقة جديدة لأنتزاع الاعترافات من رؤوس وأجساد السجناء بعد ثقبها .
ورغم الكشف عنها وافتضاحها وتوثيقها من قبل جهات حقوقية( دولية ومحلية )،ورغم شهادات العديد من الضحايا الذين كانوا قد تعرضوا الى تلك الاساليب التي بدت واضحة بأثارها على أجسادهم التي سجلتها العديد من التقارير التلفزيونية لأكثر من قناة فضائية عربية كانت أوعراقية أو أجنبية ، لكنها مع ذلك بقيت مستمرة وحاضرة في السجون العراقية !،  وكأن المسؤولين عن استمرارها وفعلها قد تَلبَّستهم هذه السلوكيات المريضة وأمسَت جزءاً منهم ومن تركيبتهم النفسية وباتت وكأنها لاتشعر بالراحة والاطمئنان إلاّ بعد أن يصِل الى آذانهم صراخ المعتقلين،آتيا ً، من الاقبية والسردايب التي كانوا هم في يوم ما يقبعون فيها قبل سقوط النظام السابق عام 2003 ، وإلا ّ مامعنى هذا الاصرارعلى استمرارها دونما خوف ٍمن محاسبة دولية قد تطالهم ودونما خجل يعتريهم أمام انفسهم قبل شعبهم !؟ إلاّ إذا كان الدافع وراء استمرارها : هو الرغبة العارمة والمجنونة للانتقام من طائفة مُعيّنة دون غيرها،وتصفية الحساب معها،فقط لانها تنتمي طائفيا إلى  من كان يحكم العراق قبل العام 2003، وقد حُسِبَ هذاالحاكم عليها،ظلما وجوراً وبهتانا ً،مع أنَّ كل أفعاله ِالتي كان قد أقدم عليها والتي عادة ماأتتسمت بالقسوة، أكدت بما لايقبل الشك على أنه:  لم يكن يعيرأيّة أهمية ولااعتبارلايّ قيمة دينية ولاطائفية ولاقومية،حتى أنه لم يكن يتردد مطلقا ًفي أن يطأ بحذائه عليها فيما لو تعارضت مع مزاجه الشخصي الحاد الذي كان يسوقه الى ارتكاب كل حماقاته، والتي دفع ثمنها الوطن وجميع ابنائه بلا أستثناء .
ذاكرة العراقيين مازالت حتى الان تحتفظ بالكثير من الصورالمرعبة التي سجلتها الاجهزة الامنية خلال تاريخها الطويل منذ تأسيس الدولة العراقية ، إذ لايمكن نسيان قصة تقطيع أطراف سكرتيرالحزب الشيوعي سلام عادل عندما كان سجيناً عام 1963، ولا التسبب في إصابة عبد الرحمن البزاز بمرض التدرن الرئوي بقصد وتصميم من قبل سجانيه بعد أن تم سقيه دواءً ممزوجا بمادة سامة تستخدم عادة لقتل الفئران،ومن ثم إجباره على أن يبصق في فم عدد من زملائه المعتقلين السياسين، حتى ينقل اليهم جرثومة المرض. ولا قصة إختفاء الكاتب عزيز السيد جاسم بعد أن تم اسقاطه في حوض مملوءٍ بالتيزاب،ولاذبح فؤاد الركابي بسكين كما تذبح الشاة ،عندما كان معتقلا في مطلع سبعينات القرن الماضي، ولا المئات من المعتقلين الشيوعيين والاسلاميين ومن اعضاء حزب الدعوة ،الذين اختفت أثارهم بعد كانوا قد تلقوا شتى انواع التعذيب، والتي مازالت تمارس حتى الان ولكن مِنْ قبلِ ِ مَنْ كان هو واقعا في يوم ٍ ما  تحت ضراوتها وهذا مايثير التساؤل والغرابة  !.
آن الاوان لتتوقف هذه الاساليب الوحشية والتي تتنافى مع أبسط الحقوق التي ينبغي أن ينالها الُمُعتقل، وفيما لو ،لم تتوقفْ ،عندها يتوجب على الامم المتحدة ودول العالم المتحضرأن تكف عن التزام الصمت والتواطىء المشبوه. . وهنا في هذا الاطارعلينا أن لاننسى بأن الامم المتحدة ودول العالم المتحضر( اميركا ، فرنسا ، بريطانيا، الخ  ) كانت شريكة ومسؤولة بشكل مباشرعن سقوط النظام السابق، وإقامةالنظام الجديد،الذي باتت ممارسات أجهزته الامنية لاتختلف مطلقاًعن سابقاتها،هذا إذا مافاقتها قسوة وعنفا وطائفية .كما حان الوقت لأن تُتَخذَ َإجراءات ٍوعقوبات ٍصارمة ضد كل من إرتكب ويرتكب مثل هذه الممارسات،سواء كانوا أشخاصا ً أو مؤسسات حكومية ، وإذا لم يتم التوصل إلى مثل هذه الجراءات الرادعة : فإن الاوضاع ستزداد سوءاً يوما بعد آخر خلال الاعوام القادمة، بل إن الاحتقان الطائفي سيذهب الى أبعد مايكون من إساليب التعبيرعن بشاعته ووحشيته،وسَيُكتَبُ لهذه الارض التي كانت في يوم ما مَهدَ الحضارات الانسانية الاولى،أن تشهد جرائم مرعبة أكثر مما شهدته خلال الاعوام الماضية، ولن يكون أيّ مُكوّن ٍاجتماعي يسكنها بمنأى عن السقوط والتورط بقذاراتها شاء ذلك أم أبى . 

أحدث المقالات