استِكمالاً لمَا طرحتُهُ في الحلقات الثلاث السَابقة، مِنْ هَذا المقَال، و الَّتي استَعرضَتُ فيها المَحاور التَّالية:-
1. كَيّْفَ تَصدَّى الإِمام الحسيّْن(ع) لمشكلَة عَصره.
2. كَيّْفَ نُحدّدُ جذورَ مشاكلنا؟.
3. الدَوّْرُ الذي لعبته أَمريكا، في تَمزيق وحدتنَا الاسلامية و الوطنيَّة.
4. البدءُ بعمليَّة الاصْلاح الذَّاتيَّة. حتّى نَستجمعَ قوانَا، و ننطلق لمجابهة كُلِّ التَّحديات المشّْبوهة التي تواجهنا.
و أَختمُ هذا المقال بحلقته الرابعة و الاخيرة ، مسلطاً الضوء على دور المرجعيَّة الدينيَّة في النجف الأشرف، في مساندة عملية الاصلاح الشاملة، التي تطرقت لبعض محاورها في الحلقة الثالثة من هذا المقال.
و تفرضُ عليّ مناسبة استذكار نهضة الامام الحسين(ع)، ان اتوجه مناشداً المقام الأبوي للمرجعية الدينية، في النجف الأشرف، لترميم التصدعات الموجودة في المجتمع العراقي. من خلال ما تملك المرجعية الرشيدة، من امكانيات حقيقية صادقة، لتوجيه المجتمع الوجهة الصحيحة. كما ان الجماهير المؤمنة بخط الأئمة(ع)، تؤمن بان المرجعية الصالحة، هي الامتداد الشرعي لذلك الخط المبارك.
فالتمس عناية مرجعيّتنا المباركة، بالنقاط التالية التي سأطرحها، ايماناً مني بانها، هي الكيان الذي يحمي لحمة المجتمع الاسلامي عموماً، و العراقي خصوصاً. و مثلما وجّهت المرجعيّة جموع الجماهير، للقضاء على الارهابيين في العراق، و تخليصه من العناصر التكفيرية المارقة. فانها بالتأكيد لن تبخل على ابنائها، من تقديم الجهود المُنظَّمَة و الهادفة و المبرمجة، التي ستسهم بشكل
مباشر، بتطوير المجتمع عقائدياً و فكرياً و ثقافياً و علمياً و سلوكياً. وفق عمل مؤسسي ناضج، متعدد الادوار و مختلف التخصصات. فأقول:-
1. ان تتفضل المرجعية الدينية، بممارسة دورها الابوي، في الشارع العراقي. للتوصل الى معرفة، ما يعانية الانسان العراقي، بخصوص التحصين العقائدي و القيمي و الفكري و الاخلاقي. ليس على مستوى الاجمال، و انما على مستوى التحديد الدقيق. و ان يكون ذلك عن طريق مراكز بحثيّة متخصصة، حتى يتمّ وضع البرامج الممكنة، لعلاج كل خلل على حده، بطريقة علمية مدروسة.
2. ان تسعي المرجعيّة المباركة، لتبني عمل اعلامي مؤسسي، متخصص في مجالات نشر الثقافة الاسلامية، و الفكر الرسالي، و قيم الاسلام النبيلة، بين ابناء المجتمع. و الاستفادة من الكوادر العراقية المخلصة، في هذا المجال. فهناك عجز معرفيّ كبير، بين عموم الناس. و جهل بمبادئ الاسلام المجيد، الأمر الذي ينعكس على سلوكياتهم، و تعاملاتهم و علاقاتهم الشخصية.
3. تشذيب شعائر و مناسبات احياء ذكر أهل البيت(ع)، من جميع الاضافات الشاذّة، التي اصبحت بلا شك، تسيء لجوهر الاسلام و مدرسة أهل البيت(ع). ففي هذه الشعائر، الكثير من الاضافات التي انتجتها الانفعالات العاطفية غير المنضبطة، و التي في بعض تفاصيلها الدقيقة، قدّ يوجد تعارض فيها مع تعاليم الدين. و واجب المرجعية ردّ كل ما يمس الدين الاسلامي بسوء.
4. انشاء جهد مؤسسي خيري، يوجه الميسورين من الناس، من أهل البِرِّ و الاحسان، ليهتمّوا في تأسيس المشاريع الخيريّة، ذات التوجه الاقتصادي التنموي. و بالوقت نفسه، ان تكون ذات كلف تشغيليّة من المقدور عليها. مثل انشاء ورش صناعية منزلية، منخفضة الكلفة، لانتاج مستلزمات يحتاجها السوق المحلي، (صناعات الملابس المختلفة، صناعات غذائية، صناعات خشبية، صناعات غذائية، صناعات تكميلية… الخ). و عن طريق تشغيل هذه المشاريع الخيرية، سيتم انتشال آلاف الشباب و الشابات، من فاقة الفقر. و ستتحول المرأة الأرملة، و اليتيم، و المعوّق
جزئياً …الخ، الى عناصر منتجة مكتفيّة ذاتيّاً، و من ثم توجيههم الوجهة الدينية الصحيحة. و في ذلك تأكيد للدور الأبوي، للمرجعية الدينية في المجتمع.
5. لقد اثبتت التجارب العملية في العراق، و على مدى اكثر من عقد من الزمن، ان كيان المرجعية الدينية، يسعى دوّماً الى تحقيق اهداف مركزية واضحة المعالم، و بيّنة الأهداف، و محدّدة المقاصد، و التي يمكن اجمالها بالمحاور التالية:
أ. التأكيد على وحدة الاسلام و المسلمين.
ب. التأكيد على وحدة العراق و العراقيين.
ج. دفع اي خطر يستهدف مصالح الشعب العراقي بكل مكوناته.
د. التأكيد على احترام الدستور و القانون، لأنهما يحميان حقوق الجميع.
ه. التركيز على المسؤولين في الدولة، للتفاني في تحقيق الطموحات المشروعة للشعب العراقي.
بناء على النقاط الواردة اعلاه، يكون من المفيد تاسيس مجالس استشارية مدنيّة، يديرها متطوّعون مدنيوّن، من المشهود لهم بالخبرة و الاختصاص. و تكون هذه المجالس الاستشارية، تحت اشراف المرجعية الدينية. و تنحصر واجباتها في تقديم الاستشارات، و معالجة الازمات، عن طريق وضع الحلول الناجعة لها. و بذلك تقدم هذه المجالس الى المرجعيّة الدينيّة، رؤية علميّة تخصصيّة واضحة، عن الظروف الشاذّة و الصّعبة، التي تُرهق كاهل المجتمع العراقي. و بدوّرها تقوم المرجعية الدينية، بتوجيه المسؤولين و المجتمع، الى المسلك الصحيح لخدمة الصالح العامّ. و هذه الرؤية الاصلاحية لا تختص بها جهات دينية فحسبّ، فانها من صميم عمل الكثير من مؤسسات المجتمع المدني، في الدول الغربيّة.
ان هذه النقاط التي طرحتها ليست نهائيّة، فهي أفكار قابلة للمراجعة و التعديل و التدقيق. و انني اشعر باهميتها، لايقاف التّدهور الحاصل في مجتمعنا العراقي، على مستويات متعددة تشمل:
1. موضوع حفظ المال العام، في مؤسسات الدولة.
2. العلاقات الاجتماعية المتدهورة، بين ابناء المجتمع.
3. انحدار مستوى الوعي الجماهيري، و تدنّي مستويات الشعور بروح المواطنة الصالحة، عند قطاعات كبيرة من المجتمع.
كل هذه الامور و غيرها، لايتم اصلاحها، ما لم يَنْصَبُّ الاهتمام، باعادة بناء الكيان الفكري و العقائدي و الثقافي، للفرد خصوصاً، و المجتمع عموماً. و الله تعالى من وراء القصد.