22 ديسمبر، 2024 11:17 م

بعيدة صارت تلك السنة التي تذاكر بردها  عجائز قريتنا ,حين جمعهم المجمر الذي توسطه إبريق شاي اسودَّ اغلب جسده , فجرّت بهم الذكرى لحوادث ترحموا لأصحابها  وتداولوا أسبابها  عبر أغوار الزمن السحيق , فلم يختلفوا بحادثة ولا حديث إلا بواحدة  أُريد ذكرها, فلم يرض بعض الحاضرين ,  فكانت انتفاضة معطف احدهم إن أثارت كل ما حواه من تراب رعي النهار  على مبادرة أن تطمر  تلك السالفة بكل أيامها فلا تعاد للحياة بذكر أو حديث
–   ما عهدنا دفن حي  إلا بهذا الأمر , والظلم راد لصاحبه ولو بعد حين. قال للجمع  ليسحب من معطفه الثقيل دعوة مِن مَن بجانبه للجلوس , لكنه تل ما يرتدي بردة فعل غاضبة تصرح بأن رحيل الأعوام والشيب لم يمحيا تلك الحادثة , بل أنها هي من تطاردهم وببرهان تذكرهم لها كلما عصفت أيام  آخر شهر من كل عام .
–  ما  ارتفعت مناسيب مياه الشط على كتفي الأرض الا وأخذتنا رهبة سمية فتأخذننا العزة بالإثم فلا نترحم لها  إلا بسرنا
–  وما أدراك بسرائرنا ؟ سأله سائل.
–  وما يجعلنا نتداولها  كلاما ملئه الخوف مما اقترفناه ؟ إن لسمية قبر بصدر كل منا , فلا شتاء يأتي إلا وجثم الغم في برحائنا
فيصمت الكل تنوب عن أصواتهم طقطقات عيدان العاقول على  النار , تعيد بهم الفصول لأرملة  كان لابنتها عينان زرقاوان , ولم يكُ في تلك القرية من عيون تشابهها , فظن الناس أنها من بنات ألسعالي , حين روى كبار ذاك الزمان ما حصل لرجال خطفتهم  نساء لكنهن لسن نساء , بل ساكنات مقابر يظهرن بعد المغيب, فعزز ما رووه التماع عيون ذات ليلٍ مكانه كان من بيت الأرملة , ويبعد شكهم أنها عيون قطط ليس إلا , فتراهن الصيادون على  رمية إن أتت بعيني تلك الفتاة فلراميها  إمارة عام لكل مكان يرتحلون , فكان لصراخ سمية  إن فارت مياه الشط فيضانا جرف غرينها نصف القرية,بينما رأوا سمية يأخذها الموج بعيدا..