بعيدة صارت تلك السنة التي تذاكر بردها عجائز قريتنا ,حين جمعهم المجمر الذي توسطه إبريق شاي اسودَّ اغلب جسده , فجرّت بهم الذكرى لحوادث ترحموا لأصحابها وتداولوا أسبابها عبر أغوار الزمن السحيق , فلم يختلفوا بحادثة ولا حديث إلا بواحدة أُريد ذكرها, فلم يرض بعض الحاضرين , فكانت انتفاضة معطف احدهم إن أثارت كل ما حواه من تراب رعي النهار على مبادرة أن تطمر تلك السالفة بكل أيامها فلا تعاد للحياة بذكر أو حديث
– ما عهدنا دفن حي إلا بهذا الأمر , والظلم راد لصاحبه ولو بعد حين. قال للجمع ليسحب من معطفه الثقيل دعوة مِن مَن بجانبه للجلوس , لكنه تل ما يرتدي بردة فعل غاضبة تصرح بأن رحيل الأعوام والشيب لم يمحيا تلك الحادثة , بل أنها هي من تطاردهم وببرهان تذكرهم لها كلما عصفت أيام آخر شهر من كل عام .
– ما ارتفعت مناسيب مياه الشط على كتفي الأرض الا وأخذتنا رهبة سمية فتأخذننا العزة بالإثم فلا نترحم لها إلا بسرنا
– وما أدراك بسرائرنا ؟ سأله سائل.
– وما يجعلنا نتداولها كلاما ملئه الخوف مما اقترفناه ؟ إن لسمية قبر بصدر كل منا , فلا شتاء يأتي إلا وجثم الغم في برحائنا
فيصمت الكل تنوب عن أصواتهم طقطقات عيدان العاقول على النار , تعيد بهم الفصول لأرملة كان لابنتها عينان زرقاوان , ولم يكُ في تلك القرية من عيون تشابهها , فظن الناس أنها من بنات ألسعالي , حين روى كبار ذاك الزمان ما حصل لرجال خطفتهم نساء لكنهن لسن نساء , بل ساكنات مقابر يظهرن بعد المغيب, فعزز ما رووه التماع عيون ذات ليلٍ مكانه كان من بيت الأرملة , ويبعد شكهم أنها عيون قطط ليس إلا , فتراهن الصيادون على رمية إن أتت بعيني تلك الفتاة فلراميها إمارة عام لكل مكان يرتحلون , فكان لصراخ سمية إن فارت مياه الشط فيضانا جرف غرينها نصف القرية,بينما رأوا سمية يأخذها الموج بعيدا..