جاء في نص قانون المساءلة والعدالة رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٨ في المادة الرابعة منه فقرة( خامساً / ج) ضمن مهام الهيأة ( التأكيد على التعددية السياسية) كجزء أساسي من ملامح الدولة الديمقراطية والنظام السياسي الذي تشكل بعد زوال الديكتاتورية عام ٢٠٠٣، وحسب فهمي فإن من اساسيات مناهضة فكر البعث المقبور الذي كان يؤمن بسياسة الانقلاب من اجل الوصول للسلطة وطرق البطش والتنكيل وإقصاء الاخر واستخدام أساليب القمع الوحشية كوسيلة للامساك بالسلطة ، فإن الفكر المناهض لذلك كله هو نشر ثقافة مُضادّة ومغايرة لماكانت عليه سياسة البعث المباد ، ولعل من اوضح ماينصرف اليه الذهن هو(( التعددية السياسية)) التي لم يكن البعث ليؤمن بها يوماً ، فضلا عن انها كانت جريمة في ادبيات الحزب المقبور ، والتي كانت تودي ب( مرتكبيها) الى أعواد المشانق وأحواض التيزاب، وما قوافل الشهداء والمظلومين ممن انتموا الى الأحزاب السياسية العراقية الا دليلاً شاخصاً على ذلك…
لقد اثبتت التجارب العملية ، وهذا ما عليه العالم المتحضر اليوم – والذي لايزال متمسكاً بالمؤسسات الُمكافحة للعنصرية والشوفينية والديكتاتورية ويعتبر وجود تلك المؤسسات ضمانة حقيقية لسيادة القانون في البلاد – ان عملية الحكم واستلام السلطة يجب ان يستند الى ركنين رئيسين هما ( التشارك والوقتية) ونعني بذلك، ان الحكم لايستقيم في بلد ما الا اذا تشارك ابناء ذلك البلد في حكمه ورسم سياساته وتحديد مصالحه العليا عن طريق من يمثلون الشعب من احزاب او منظمات او حركات شعبية او كيانات سياسية يتم انتخابها من قبل الشعب نفسه ، ( كونه مصدر السلطات وأساس التشريعات) وهو المبدأ الرئيس في الديمقراطية والمعمول به في كثير من البلدان ، والامر الاخر والذي لايقل أهمية عن سابقه ، هو انه لا يمكن ان يستمر حكم حكومة ما بدون ان يكون لتلك الحكومة ((توقيت معين)) له بداية وهي وقت انتخابها ونهاية وهي وقت تسليم السلطة لخلفٍ آخر مُنتخبٍ ايضاً ، وهذا هو ارقى مظاهر واشكال الحكم الذي يضمن استمرار الديمقراطية ويمنع من الاستبداد والتسلط ونشوء الديكتاتوريات ..
ان الدعوة الى التعددية السياسية والمنصوص عليها في قانون المساءلة كما أسلفنا ، جاء نتيجة المعاناة التي ذاقها ابناء الشعب العراقي إبان حكم الحزب الواحد والرمز الواحد والذي كان يعتبر المناقشة او الاعتراض من اكبر الجرائم التي كانت تندرج على حد وصفه في قائمة الخيانة والعمالة بل لم يكن يميزّ ذلك النظام المهووس والمتسلط بين النقد البنّاء من غيره ، حتى ان الكثير من الكفاءات والمتخصصين تم إعدامهم او اعتقالهم وتشريدهم بلا جريرة اصلا ولم يكن له ذنب الا انهم ابدوا آراء تفرضها عليهم المهنية والاختصاص..
ومن هذا المبدأ فأنه لا خلاص للشعب العراقي ولا حصانة حقيقية له من السقوط مرة اخرى بين مخالب الطُغاة وبراثن الديكتاتورية الا بالتمسك بتلك المبادئ الانسانية الحرة التي تضمن حق الانسان بالعيش الحر وتصون كرامته حتى وان انتابتها بعض الهِنات والكبوات الا انها بلا شك افضل من ايّام الديكتاتورية السوداء..