المباني الاثرية والتراثية عادة تزخر بجمالية العمارة المحلية وخصوصيتها وطبيعتها وفن الزخرفة الذي استخدم في تلك المباني القديمة بشكل واسع .. لذلك تعتبر هذه المباني لوحدها متاحف قائمة .. كما ان اهمال هذه المباني وعدم استخدامها للاغراض الملائمة تجعلها عرضة للاندثار والنسيان .. لذلك لا بد من ايجاد وظيفة مناسبة وملائمة ومنسجمة مع طبيعتها وسعتها وموقعها ، حتى تصبح معلماً دائما للمدينة ومقصدا سياحيا وثقافيا .. وتعتبر الوظيفة الثقافية الاكثر ملاءمة لمثل هذه المباني كأن تكون متاحف اومراكز فكرية وادبية وفنية..
ان الخطوة المباركة التي بدأها محافظ بغداد السابق د.صلاح عبدالرزاق بتخصيص الاموال لصيانة وتاهيل مبنيين تراثيين مهمين هما مبنى الحاكمية السابق الذي تحول الى مركز ثقافي بغدادي بامتياز تقصده الجموع يوم الجمعة لاقامة مختلف النشاطات الثقافية والفنية ، ومبنى القشلة الذي تم تأهيله من قبل المحافظة انذاك وبالتعاون مع وزارة السياحة والاثار ليصبح ساحة ثقافية بامتياز ايضا يأمها آلاف العراقيين كل جمعة .. والقشلة كلمة تركية تعني المكان الذي يمكث فيه الجند ، او الحصن , او القلعة , التي تضم دوائر الحكومة .. وقد بناها في قلب بغداد القديمة الوالي نامق باشا في بداية سنوات حكمه التي امتدت من (1861-1868) ولم
تكتمل .. فاكمل البناء الوالي مدحت باشا الذي تولى امور بغداد للفترة (1868-1871) وقد زادها هذا الاخير طابقا ثانيا واقام برجا عاليا وسط ساحتها ووضع عليه ساعة كبيرة لايقاظ الجنود .. هذه الثلاثية , شارع المتنبي ، والمركز الثقافي البغدادي ، وقشلة بغداد اصبحت اهم تجمع للمثقفين البغداديين وزوار بغداد يوم الجمعة كما انها اصبحت مركزا لاقامة الفعاليات الثقافية (معارض ومحاضرات ومهرجانات وعزف للموسيقى ومعارض للكتب اضافة الى الخطابة وتجمعات التعبير عن الرأي) .. وقد جذب هذا التوسع في المساحة والتنوع في المباني والطرز العمارية التراثية كثيرا من العراقيين لزيارة هذا الموقع والتمتع بالمشاهد المحببة التي تسبب الارتياح للناظرين ، من هنا تأتي اهمية توسيع الرقعة الثقافية باضافة مبنى المدرسة المستنصرية الى المشهد الثقافي العراقي الذي بدأ يتسع ويأخذ ابعادا اخرى في اجواء الانفتاح والتمتع بالحريات وهذه الاضافة تستدعي جهودا مشتركة بين وزارتي السياحة والاثار والثقافة ومحافظة بغداد .. ان طبيعة مبنى المدرسة المستنصرية واثريتة وطرازه المعماري وتعدد مرافقه وحجره ورواقاته وجمالية المبنى ، كلها تجعل منه مقصدا ثقافيا مهما ووضعه وسط الاضواء مجددا ، كما تم من قبل لمبنيين تراثيين مهمين مجاورين للمستنصرية ، فهذا المرفق العلمي الذي انشئ في العصر العباسي يعد من اقدم الجامعات في العالم ويقع بجوار قصر الخلافة والمدرسة النظامية ، وهما مبنيان اثريان غاية في الروعة ، يمكن ضمهما الى المشهد الثقافي لاحقا بعد تأهيلهما وصينتهما .. وعودة الى المدرسة المستنصرية التي يمكن ان تصبح احد المراكز الثقافية المهمة ليس على صعيد العراق والمنطقة فحسب ، بل حتى في العالم .. فقد بنى هذه المدرسة الخليفة العباسي المستنصر بالله عام (620هـ)لتكون اول مدرسة مفتوحة تدرس فيها العلوم الدينية لجميع
المذاهب الاسلامية .. اضافة الى مختلف العلوم الاخرى كاللغة والطب والفلسفة والصيدلة والرياضيات .
وكان الطالب الذي يقضي عشر سنوات دراسة في هذه المدرسة يمنح شهادة تؤهله للعمل في دواوين الدولة آنذاك .. ويتميز المبنى بعمارته الاسلامية المتميزة وزخارفه الجميلة .. وتقدر مساحته
بـ( 4836م ) مربع ويضم في وسطه ساحة امامية .. وهي منطقة مفتوحة وتحتوي على حدائق ، ويمكن الافادة منها في اقامة مختلف النشاطات وهكذا فان المبنى مهيأ بالتمام ليلتحق بركب الثقافة العراقية بعد ان عانى من العزلة امتدت الى مئات الاعوام .. خطوة جريئة من الوزارتين والمحافظة لاتخاذ مثل هذا القرار وضم المدرسة المستنصرية الى جمعة المتنبي الثقافية فهل انتم فاعلون ..؟!!