19 ديسمبر، 2024 3:17 ص

لا الشمس مشطت جدائلها..ولا الهواء رقص طربا. لم يتشح الصباح بلون وردي، ككل الصباحات المعطلة.. باب موصدة.. وعيون بريئة تطاردني بأسئلة لا أجد لها اجابة.. فهل هو العيد حقا؟ ربما هو كذلك، فليلة الامس فقط ، ومنذ سنوات، تراقصت اجفاني على ايقاع حلم ملــون.. ولو لم يكن عيدا لما وجد الحلم وقتا لزيارتي .. فانا عادة ما اجري اسرع من الاحلام.

سكون يغلف الجدران.. اربعة اقدام تتنقل بصمت بين غرف مغلقة.. اصوات تعلو وتنخفض لافلام تتلوى على الشاشة الفضية.. قلب ينبض مع رنة هاتف او جرس الباب.. سؤال بريء اللهفة: من القادم؟ يابني.. انه عامل النظافة يطلب هدية العيد، اطرق مخافة ان يفجرني حزن تلك العيون.. واعود لأضيف الى قائمة الصدى جملة جديدة علها تقطع حبل الصمت ليلا.

في يومه الأول كان الشارع خاليا، حتى المارة والسيارات بخلوا في حركتهم.. صوت الريح فقط يدندن في فضاء الشارع وتتراقص بحرية على جدران البنايات، تمد اذرعها لمداعبة اوراق الشجر فتتمايل تلك خجلة متثائبة تعاتب عبث الريح التي قطعت سباتها. من يسكن كل هذه الدور التي تحيط بنا؟ أهم موتى أم انني غادرت من حولي منذ زمن بعيد فلم أعد أراهم، اعابث الوقت واستكين الى فراش المرض فهو اكثر رحمة من نظرات العتب. لكنها لا تمضي بعيدا فنظراتهم سكاكين تغرس حافاتها عميقا في برد الروح لتعيد للحياة قصة لم تكتب نهايتها بعد.. وحكايا عن نبض منع من التجوال.

مرت الساعات ثقيلة.. تراخت الاقدام.. لتعاود نشاطها على نغمة الهاتف ( سيأتي حقا، سيأتون جميعا)؟ نعم يابني، انه ضيف ليس الا.. (وعائلته)؟.. ايضا ضيوف. لكنهم في الطريق الى هنا.. اصوات تضاف الى قائمة الصدى الفقيرة، (سانتظرهم على سطح الدار، تعلمين اني احب هذا الضيف).

تدافعت الاقدام تسبقها الضحكات.. ثياب لونها العيد.. فرح يمازجه التعب.. ليالي سهر وسمر.. ربما اصاب نظام برمجة الصدى خللا فلم تعد تميز بين الاصوات.. لم تتعود كثرة العمل.. لكن الخلل لم يدم طويلا، فالضيف مافتئ ان رحل بعد اقل من ساعة مصطحبا عائلته الملونة. تبعتهم العيون البريئة تسابقها اربعة ارجل برجاء حزين، فالنهار مازال في أوله والوحدة قاسية في العيد..

لكن الضيف كان كريما فتكورت الايدي الصغيرة لتضم اوراقا نقدية. وعادت الاسئلة ترشقني بنبال العيون الصامتة.. عذرا يابني، الخال والد، هذا كل مايستطيع فعله. تراجعت العيون البريئة بصمت واختفت الاقدام في الممر، اظنهم ادركوا انني لا اقوى على مواجهة العيد. صرخة مفاجئة انتفضت بوجه ظنوني.. صوتها البرئ انتفض.. لم اسمع شيئا.. فقط صرخة معذبة لقلب صغير. قفز قلبي ليتلقف صرختها.. كان بابها موصدا دون حزني وحزنها.. لم تقل كلمة كعادتها.. عاودت الصمت وانزوت في ركنها المعهود تراقب الشاشة الفضية فهي تعرف شخوصها اكثر مما تعرف اهلها. في صمتها.. في نظراتها الملبدة بغيوم الحزن كانت تصرخ (لم لسنا مثلهم)؟ عذرا ياابنتي.. لقد نسيت شكل العيد فلم اعد اعرف كيف ارسمه لكم..

أحدث المقالات

أحدث المقالات