لا توجد في الإسلام محاباة، أو مزاجات، في تحديد الأوامر الألهية، القانون الألهي نص، يصدر من خالق الكون، يطبق على جميع المسلمين، وليس لأحدهم أفضلية الإستثناء دون غيره.
جعل الأسلام القرابة، هي قرابة الدين، والأخوة هي أخوة الدين والعقيدة، فهذا أبو لهب، ورغم أنه عم النبي، إلا إن القرآن لعنه، لفساد عقيدته، وتجبره بكفره، “تبت يدا أبي لهب”، في حين أدنت العقيدة الصحيحة، والموالاة والتسليم المطلق، للنبي الخاتم صلوات الله عليه، أدت بسلمان الفارسي -مع بعده العرقي والنسبي- بأن يقول عنه المصطفى صلى الله عليه وآله، سلمان منا أهل البيت.
تنفيذا للأوامر الألهية، كان نبينا العظيم، يسير في تبليغ الأحكام، ولم يجامل حتى نفسه، في تطبيق احكام الشريعة، بل حتى المبادئ الاخلاقية، من حيث الصدق والأمانة والوفاء بالعهد.
تحمل المصطفى صلوات ربي عليه، أذى المشركين له، وجاهد في الله حق الجهاد، في سبيل إعلاء كلمة الدين. الأمانة العظمى؛ التي كان يحملها النبي، هي الوسيلة الوحيدة، لرقي وسعادة الناس، فبالدين تحيا القلوب، وتبنى الأمم، ولابد لهذا الدين، وهذه الرسالة، أن تستمر ما إستمرت البشرية.
هذه الإستمرارية؛ تحتاج لمن يحملها بعد النبي، أن يتمتع بصفات خاصة، صفات تجعله مؤهلا ليظطلع بأعباء الرسالة، وإكمال المسيرة الإصلاحية، للنبي العظيم.
كما قلنا؛ فإن الإمور لا تأتي جزافا في الإسلام، ولا توجد مجاملة في سن التشريعات، لذا صدر الأمر الألهي للنبي العظيم، بتنصيب الوصي، الذي يحمل تلك الصفات، والقابليات، التي تجعله بنفس منزلة النبي أو هو نفسه.
إعلان مثل هكذا أمر مهم، يحتاج حدثا عظيما ليقترن به، ويحتاج إلى إعلام واسع، ليتم إلقاء الحجة على الناس، لئلا يأتي من يقول إني لا أعلم.
كان الموسم موسم الحج، وكانت الحجة حجة الوداع، واجتمع ما ناهز المائة وعشرون الف مسلم، وكان المكان في غدير خم، حيث مفترق طرق الحجاج، إذ وقف النبي خاطبا فيهم، ليبلغ ما إنزل إليه من ربه، سائلا المسلمين ” أ لستُ أولى بكم من أنفسكم”، ليجيبوا كلهم ويقروا “اللهم إشهد إنه بلى”، عندها صرح النبي بالأمر الأعظم قائلا: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه”، على مرأى ومسمع المسلمين، لينزل الوحي بالقول القاطع “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، وهذا قول فصل من لدن رب العالمين، بأن كمال الدين، وتمام النعمة، هو بولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام.
هذه الولاية؛ سرعان ما أنكرها قوم شحت نفوسهم!، فنكثوا بيعة الوصي، بعد أن قالوا: “بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة”، أنكروها من اجل دنيا فانية، خدعتهم بغرورها، ليحرموا الكون كله، من نعمة لو أُحتِرِمَت، لأكل الناس من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، أنكروها ليأسسوا لخطٍ باطلٍ، إستمر ليومنا هذا.
داعش والتنظيمات المتطرفة، كلها نتاج ذلك النكث، الذي قامت به تلك العصبة ممن يسمون أنفسهم “صحابة”.
على مدى الأربعة عشر قرن المنصرمة، ظل الصراع بين الناكثين،وبين أتباع الولاية مستمرا، ورغم إن السلطة والمال والنفوذ، في كل تلك السنين بيد الناكثين، إلا إن إتباع عليا، بقوا قوة ضاربة، وسيوف صارمة، بوجه الباطل، لا تاخذهم في الله لومة لائم، يذودون عن الولاية ونهجها، بكل بسالة وإخلاص، يدفعهم بذلك صدق عقيدتهم، وما الحشد الشعبي إلا مثال على ذلك