إذ يحتفل العمال في كل أنحاء العالم بيوم العمل أو (عيد العمال العالمي) الذي يصادف الأول من أيار من كل عام؛ فان الملاحظ نجد على الدوام بان مطالب (العمال) ترتكز – بشكل عام – على أهمية وضرورة تعديل التشريعات الخاصة بقوانين وأنظمة العمل بما تتلاءم مع متطلبات كل مرحلة من مراحل الحياة الحالية والمستقبلية؛ في ظل الأوضاع الاقتصادية التي (لا) تشهد استقرارا و(لا) توازنا بين الإنتاج والاستثمار الأمثل لظروف واقع الحياة السياسية المضطربة في كل إنحاء العالم .
لنجد عشرات الآلاف من العمال – هنا وهناك – وفي كل دول العالم؛ تدفعهم ظروفهم المعيشية الصعبة للعمل لساعات طويلة لمواجه الفقر والضائقة المادية التي يعاني منها العامل وأسرته.
من هذا الواقع أصبح إلزاما على (النقابات) و(النقابيين) التحرك لإنصاف العاملين والالتفات إلى معاناتهم والمشاكل التي يواجهونها في طبيعة ظروف عملهم؛ سواء الناجمة من سوء المعاملة من أرباب العمل أو من إهمال ونقص وسائل الصحة.. وقواعد السلامة المهنية.. وسلب حقوقهم.. وخفض رواتبهم بما لا يتناسب مع ارتفاع أسعار الأسواق والقيمة الشرائية بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية الغير المسبوقة التي يشهدها العالم والناجمة من حدة تصاعد الحروب والتوترات والنزاعات الدولية والإقليمية والصراعات المسلحة بين دول العالم، لذلك يتطلب من النقابات بصورة عام؛ تحديد الحد الأدنى والأقصى للأجور، وإلزامه بشكل دوري لبحث متغيرات الأوضاع المعيشية؛ وربط المرتبات بالأسعار؛ لان الكثير من الشركات وأصحاب المعامل يتلاعب بالأجور وفق معطيات السوق؛ وهذا ما عكس على واقع العامل عموما؛ وخاصة عمال الغير النظاميين والحرف اليدوية وكذلك عمال القطاع الخاص الذين توقفت مصالحهم لظروف خارج نطاق إرادتهم؛ الأمر الذي يتطلب من (النقابات العمالية) جميعا؛ الوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم في مواجهة الظروف الاستثنائية بدعم العمال ووضع خطط وبرامج لحلول قابلة للتطبيق؛ وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات وتعديلات على بعض التشريعات الخاصة بالعمال لتتلاءم مع متطلبات المرحلة في ظل تراجع الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية في كل دول العالم بما أدى إلى تسريح الكثير من الأيدي العاملة وخاصة من العاملين المؤقتين؛ وهذا الإجراء أدى إلى تهديد العاملين في لقمة عيشهم؛ بما يتطلب من (النقابات) إيصال معانات (العمال) إلى الجهات الحكومية لوضع خطط تحفظ حقوق العاملين الوظيفية وخلق بدائل وفرص ملائمة للعمل لمن يفقد عمله هنا وهناك؛ وخاصة بعد ظاهرة تفشي وباء (كورونا)؛ وبما فرض على كل مجتمعات العالم واقعا جديدا ليس لمراكز العمل بل لمنظوم الحياة بصورة عامة، لان الحل الأمثل هو ليس بتسريح العاملين سواء للوقاية من (الوباء) أو نتيجة الكساد الاقتصادي؛ بل يكمن في مواصلة (العمل) و(الإنتاج) بمنتهى الجدية والانضباط، لان المنطق في ظل هذه الأوضاع يتطلب منا (إدامة) الحياة وليس (التوقف)؛ لكي تستمر الحياة التي لن تتوقف؛ وهنا يتطلب من الجميع التوازن بين العمل.. وعلاج الإخفاق.. والوقاية، لان من شان الأزمات؛ سواء أكانت اقتصادية.. أو إنتاجية.. أو صحية وبائية.. أو سياسية؛ لان تداعيات هذه (الأزمات) تمتد إلى اغلب المرافق الاجتماعية؛ وخاصة تداعيات (البطالة)؛ باعتبارها من الظواهر الاجتماعية الخطيرة جدا؛ والتي يصعب أن يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات العالم ومنها المتقدمة؛ ويجب عدم تفريط بحلها وإيجاد حلول واقعية مهما كانت الأسباب والمسببات؛ لان تأثير (البطالة )على المجتمع هو تأثير سلبي – كما اشرنا سابقا – على جميع مفاصل الحياة الاجتماعية.. والاقتصادية، فليس التأثير يتعلق بـ(العامل) نفسه؛ بل ليشمل (المجتمع) اجمعه؛ من خلال ارتباطهم بعملية الإنتاج، لان (القوى العاملة) هي قوة بشرية فاعلة في عملية التنمية الوطنية الاقتصادية لكل دول العالم يصعب تعويضها؛ وخاصة إذ أدركنا ما تتركه في المجتمع من سلبيات وأزمات (أخلاقية) و(تربوية)، لذلك لابد من معالجة هذا الأوضاع معالجة حقيقية من قبل (النقابات العمالية) بمشاركة الدولة التي تتفاقم فيها مثل هكذا أوضاع لمعالجة هذه الظاهرة بكل ما يمتلكون من وسائل وإمكانيات وخبرات مهنية وإدارية؛ لشدة خطورة الأمر على مستقبل المجتمع؛ فتدخل (الدولة) لا يقتصر على الدول ذات؛ سواء كانت تتبنى في إدارة شؤون الدولة النظام الاشتراكي أو الرأسمالي أو الدول النامية للتي تتبنى إدارة شؤون الدولة بكلى الاتجاهين.
فان كانت الدول نظامها (اشتراكي) فهي تؤمن العمل لكل مواطن؛ وتتدخل بين حين وأخر لتحسين ظروف العمل ومكسب العمال في كل مواقع العمل.
إما الدول التي تتبنى في إدارة شؤونها النظام (الرأسمالي)؛ فإنها تترك (فرص العمل) للفرد نفسه وبجهده في البحث والسعي الشخصي للحصول على العمل؛ ولكن في مرحلة الأزمات لابد من التدخل لان المجتمع قد ينفجر بالتظاهرات والاحتجاجات بما – لا يحمد عقباه – إذ اشتد خناق أزمة البطالة على الأسر.
إما المجتمعات (النامية) بسبب التباطؤ الحاصل في بنية اقتصادياتها؛ فإنها تتخبط في إيجاد فرص عمل للعمال وحصول على نتائج ترتقي إلى مستوى الطموح، لهذا فان هذه الدول كثيرا ما تشهد الاضطرابات وإضرابات عمالية وتفشي الفساد وغيرها.
وهذه الأوضاع نلتمس تداعياتها لكونها سائد في الكثير من الدول في الوقت الحاضر سواء التي تتبنى النظام (الاشتراكي) أو (الرأسمالي) أو (المختلط)؛ لذا لابد إن تتدخل (النقابات العمالية) تدخلا مباشرا لحل الاختناقات الحاصلة في عملية (العمالة) و(التوظيف) مهما كان طبيعة نظام الدولة، وهذا لا يتم إلا من خلال إجراء حوارات مكثفة وجادة.. وإجراء اجتماعات.. وتقوية الحوار بين مختلف الأطراف المهنية، ليتم رصد ووضع حلول لكل كبيرة وصغيرة؛ بما يتعلق أساسا بـ(حقوق العمال) وتحسين أوضاعهم، وكذلك كيفية تنظيم (العمل) وتحديد ساعات العمل.. وعمالة الأطفال.. والنساء.. والقضاء علي البطالة؛ وغيرها من الأمور التي تلامس كل (العمال) في كل مواقع أعمالهم أينما كانوا بما يتم (تنظيم العمل) وفق الاتفاقيات الدولية بهذا الشأن والتي تنظم العلاقة بين (العامل) و(صاحب العمل)؛ بدا بتنظيم ساعات العمل وأيام العمل والتي حددت في اغلب دول العالم بمعدل (ثمانية ساعات) في اليوم؛ وعدد أيام العمل بـ(خمسة أيام) في الأسبوع، مع ضمانات لصاحب العمل عند إمكانية زيادة هذه الساعات في بعض الحالات التي قد تتطلب الزيادة لعدم إحداث ضرر للإنتاج المنشأة أو المعمل؛ وفي ذات الإطار يتم حينها احتساب ساعات عمل إضافية لا يقل أجرها عن (مرة وربع) من قيمة الساعة الأساسية، ووفق هذا البناء تقدم (النقابات) مقترحاتهم للدولة لتباشر بوضع خطط لمشاريع التنموية للاستفادة من الطاقات العاملة في المجتمع بدراسة شامله تشمل جميع مناطق الدولة سواء المكتظة بالسكان أو الاقضية والنواحي لخلق فرص عمل متوازنة لجميع شرائح المجتمع وإنصافهم بما يسمح لـ(المرأة) في المشاركة في سوق العمل باعتبارها نصف المجتمع، وعدم هدر طاقاتها؛ لان من شان تجاهل دور (المرأة) في الحياة الاقتصادية يتسبب في زيادة ارتفاع نسب البطالة؛ لان مساهمتها في اغلب مراكز العمل ضروري لاستدامة العمل والإنتاج الاقتصادي كحق من حقوقها؛ الذي اقر ذلك في (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) حيث يكفل القانون حق كل إنسان في العمل.. وفي حرية اختيار عمله.. وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة لتمكين (المرأة العاملة) في كسب رزقها بعمل تختاره أو تقبله بحرية تامة من لدنها؛ وضمن احترام لحقوق العامل الأساسية في العمل؛ والمساعدة على توفير مناصب الشغل ليس فحسب للرجال بل يجب للنساء على حد سواء، وذلك إلى جانب ضمان الحماية لها مع المساواة في الأجر؛ من اجل تحقيق المساواة بين العاملين والعاملات في تقاضي الأجر دون تمييز قائم علي أساس الجنس؛ كما يجب مراعاة أوضاع (المرأة) الخاصة بما يتعلق بـ(الأمومة) ومنحها (أجازة الأمومة) مدفوعة الأجر؛ والتي تعتبر بمثابة وسيلة تكفل مواجهة احتياجاتها الحقيقية وتقدير أوضاعها الصحية أثاء الحمل.. وحمايتها من مخاطر العمل.. وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية.. ويحظر فصلهم تعسفا أثناء تمتعها بـ(إجازة الأمومة)، كما يجب لـ(نقابات العمال) تشريع أو أقرر توصيات المتعلقة بأوضاع (العاملات في المنازل) وبشكل خاص عمال المنازل.. والمرأة العاملة.. وعمالة الأطفال؛ واتخاذ قرارات وتدابير الرامية للقضاء على (الاستغلال الاقتصادي للأطفال) أو(الاستغلال الاقتصادي للنساء)، ولابد من مراقبة (بيئة العمل) واتخاذ التدابير الرامية إلى القضاء على الاستغلال الاقتصادي للأطفال أو النساء واتخاذ الإجراءات الفورية للقضاء عليها، ويجب لكل النقابات إدخال تعديلات على قانون العمل ليشمل العاملين في المنازل من اجل حمايتهم من الاستغلال؛ وذلك بتعزيز رصد العمل المنزلي.. وتنظيمه ليتم حظر العمل المنزلي الاستغلالي وضمان تمتع (المرأة) بتكافؤ فرص العمل لضمان تمتع (المرأة) بحقوق متساوية وحماية حقوقها في مكان العمل من خلال المؤسسات والقواعد والسياسات العامة للدولة.
ويقينا إن (نقابات العمال) بمختلف فروعها وتصنيفاتها؛ لكي تواصل عملها بشكل ايجابي يلتمس منها (العامل) ايجابياتها، لابد إن تحرص (النقابات) إن تكون بعيدة عن كل تجاذبات السياسية لإبعاد (النقابات العمالية) عن الفعل (السياسي) و(الأيديولوجي)، وتقييدها في إطار (العمل) و(الإنتاج) فقط؛ لان الدور الإيجابي لفعل النقابي أينما كان لا يتوقف فقط على هذا التغيير في الإطار العام بل يتطلب من عملها الشفافية والقدرة على بناء مؤسسات شرعية بالحريات الفردية والجماعية؛ وقبل كل ذلك؛ يجب توحيد (النقابات العمالية) داخل كل منشأة؛ لان تعددها (لا) يفيد (العامل) علي قدر ما يفيد (أعضاء النقابات) أنفسهم ومصالحهم الشخصية الضيقة الأفق مع ضمان استقلال (العمل النقابي) لكي تكون بعيدة عن السيطرة (الحزبية) و(السياسية)؛ وذلك من أجل مراعاة (حقوق العمال) وعدم ترك المجال للصراع بين الأحزاب تحت شعار (حقوق العمال)؛ وتفعيل دورها في كافة أنشطة المجتمع .
وهذا ما يتطلب من (ممثلين للعمال) التحدث عن مشكلاتهم أمام صاحب العمل بشفافية والوصول إلي حل يرضي جميع الأطراف ؛ لان (تسيس النقابة) من شانه إن يخلق (نقابات موازية) يتم تطويعها للعمل لصالح توجهات الحكومة أو توجهات حزبية، بما يوسع من (تعددية النقابات) في القطاع الواحد؛ بل يجعلها غير متجانسة فيما بينها، بل أحيانا متصارعة في قيادة العمال والتفاوض مع السلطة في القضايا المهنية، وهذا الأمر يفقدها من القدرة والعمل الشفاف في التكيف مع المعطيات (السياسية) و(الاقتصادية) في البلاد، لان (النقابة) التي تقع في هذا المطب وهو مطلب لا يحسد عليه؛ فان (النقابية المتسيسة) بكونها ستستخدم كأداة موجهة نحو تحقيق أهداف السلطة وليس من اجل مكاسب العمال، ومن هنا لابد إن تبقى (النقابات) بصورة عامة – والتي تحترم نفسها وقراراتها – (بعيدا) عن نفوذ (السلطة) و(الأحزاب)؛ والفصل التام بين (النشاط النقابي) و(العمل السياسي)؛ لان هناك كثير من المواقف قد تلجئ إليها (النقابات) بخصوص (الحريات) كحق في تنظيم لممارسة الإضراب.. والسماح بإضراب العمال.. وعلاقات العمال بالإدارات العمل.. لضمان ضبط الأوضاع ضبطا جديدا للمفاهيم وإعادة تكييف مع الأوضاع الجديد في الساحة وفق ضوابط و طرق التسوية الودية من خلال الحوار.. والتشاور.. والمفاوضات الجماعية بين (الإدارة) و(العمال)؛ وهذه الأفعال يصعب تنفيذها من قبل (النقابة) بحق (العمال) إذ كانت تأخذ أوامرها من (السلطة) أو لكونها تابعة لمؤسسات (حزبية)؛ ولأكن الأمر يختلف إذ كانت النقابة مستقلة وتحضي تأيد العمال؛ فيلتفون حولها ويدعمونها؛ وهذا يساهم في تنشيط (عمل النقابة) من جانب ومن جانب أخر يسهل مهامهما في اخذ (حقوق العمال)؛ والتي يمكنها الحصول على دعم بوسائل مالية أو امتيازات أخرى تأخذها من (دارة العمل) أو من (الدولة) لصالح (العمال)؛ على عكس (النقابة المسيسة) التي تتناور وتتخبط في كل الاتجاهات بعيدا عن طموحات العمال وحقوقهم .