تمثل ايام عيد الاضحى المبارك ، تلك التقاليد التي تترسخ في وجدان الاجيال ما بين مراسم التضحية بنحر الذبائح لاسباب دينية عقائدية، وتلك المراسم التي تبدأ بزيارة المقابر ولا تنته في مجالس عزاء تتذكر الاحبة الذين قضوا بحوادث التفجيرات ما بين عيد واخر.
لذلك تمر هذه الايام وهي تجسد فرحة الاطفال ، بالملابس الجديدة، وانتقال مظاهر المنتزهات من تلك التي تمثل مواقع اثيرة عند العوائل مثل متنزه الزوراء او مدينة الالعاب، لكي تمثل حدائق الالعاب الصغيرة التي انتشرت في جميع ارجاء العاصمة بغداد نوعا من المتنفس المناطقي لخروج العوائل ضمن حدود مناطقها ، شيعية اكانت ام سنية، فقط لتفادي الاصعب ما بين زحام السير واختناقات نقاط السيطرات الامنية ، وان كانت لا تمثل طموحات الاطفال لتجسيد فرحة ايام العيد الجميلة .
تمثل هذه المفارقة الاجتماعية، نوعا من الاستجابة لتحديات الواقع الامني، وتزيد من الفجوة التي تتسع يوما بعد اخر ما بين شرائح المجتمع التي كانت تجتمع لصلاة عيد واحدة ، فاذا بها تتجمع لصلاة جمع موحدة لا يحضرها الا اهل السلطة من موظفي مقرات الاحزاب بملابسهم العشائرية، في وقت لا يتمكن اهالي المناطق من التواصل الاجتماعي مع الطف الاخر الا عبر حواجز امنية بأسوارها العالية ، ونقاط امنية تتطلب في بعض الاحيان ابراز هوية السكن من اجل المرور منها الى مناطق ذات نوع واحد .
كل ذلك يجعل عيد العراق يختلف عن ما كان متعارفا عليه، ليس لان نظام صدام البائد كان الافضل بالمقاييس التي يمكن وضعها للمقارنة بينه وبين الوضع الحالي، بل لان اللحمة الوطنية كانت اقوى من سياساته، فكانت هناك علاقات وشيجة الصلة بين العوائل الشيعية والسنية، لاسيما في القبائل التي تمثل كلا النوعين من المذاهب الاسلامية .
والسؤال لماذا حصل هذا في عقد واحد منذ سقوط نظام صدام حتى اليوم ؟؟
والجواب الموضوعي عما يحصل في العراق اليوم بانه ليس نتاجا محليا لاسباب صراع اجتماعية بحتة، اكثر من كونها سياسات احزاب قدمت من وراء الحدود منها على ظهر الدبابة الاميركية ومن جاء خلفها موظفا ” الامر الواقع” لصالحه،فقط لكي يتحول العراق من نسيج مهلل بسبب حروب طالت الاخضر واليابس اقتصاديا ، لكي تفرز شرائح جديدة من ” الحواسم” الذين ركبوا موجة السلطة لينتهي الامر كله الى تركيب مقعد يربط بين سياسات اقليمية ودولية تحاول” فض بكارة” التجربة الجديدة وهي لم تبلغ سن الرشد السياسي ب”حمل سفاح” ، في وقت تعزز الاحزاب من وجودها المناطقي من اجل ربح سباق البقاء في السلطة عبر بوابة الانتخابات ، فيما تتزايد موجات القتل على الهوية ، مرة بافعال القاعدة الارهابية ، واخرى بكواتم الصوت الاجرامية ، وثالثة بقرارات محاكم التحقيق بتهمة 4 ارهاب، ولكل واحدة منها مرجعية اقليمية في النيل من كرامة العراقيين ، بأيادي عراقية، كل منها يوافق على ذلك ” الحمل السفاح” فقط للبقاء على مقاعد السلطة لا اكثر ولا اقل .
ولم يحصل ان تجلس هذه الاحزاب كما جلست في مؤتمر لندن الذي رعاه زلماي خليل زادة ممثلا عن واشنطن، لمحاصصة السلطة ، وهو ما اسس الدستور العراقي الدائم قواعده وفقا لها ، ويحتاج تعديله الى اغلبية كبيرة ، لا يمكن الوصول اليها في مجلس النواب الا بوجود راع اجنبي ، يحكم اجندات هذه الاحزاب ، مرة اقليميا واخرة دوليا ، ولان الاقليم يصفي حساباته على حساب الدم العراقي، فان “التضحية ” به تبقى مأساة عراقية، يستذكرها العراقيون من عامهم هذا الى عامهم المقبل .