18 ديسمبر، 2024 7:06 م

عيد العراق…كاسيات عاريات تحت أقواس النصر

عيد العراق…كاسيات عاريات تحت أقواس النصر

في ساحة الإحتفالات وتحت أقواس النصر القريبة من المنطقة الخضراء التي تضم الآلاف من الخوذ جُمعت من الشهداء العراقيين الذين نزفت دمائهم لتروي أرض هذا الوطن بحروبه المستعرة التي لم تنتهي.

على مساحة تلك الأرض شاهد العراقيون ولسنوات عديدة جيشهم بكافة صنوفه وتشكيلاته في إستعراضات عسكرية بمناسبات كان أهمها عيد تأسيس الجيش العراقي.

على هذه الأرض إنقلب الميزان وإختل التوازن ليسجل ضياعاً جديداً لعنوان من عناوين الوطن حين تشابكت ألوان العُري وفضحت ملابس التعري أجساد الفاشينيستات والبلوكرات إلى جانب سياسيين، وفُرشت السجادة الحمراء وصدح صوت الفنانة شذى حسون لترتيل النشيد الوطني لكن بدل أن تقول “هل أراك سالماً مُنعّماً وغانماً مُكرماً” نست أو تناست المطربة العراقية كلمات النشيد الوطني لتكون بديلها “ناعماً مُنعماً” وسط تمايل الأجساد وطرب الحاضرين.

لا تستغربوا مما حدث في ساحة الإحتفالات، فأنتم في العراق بلد المتناقضات والغرائب.

سلطة تفتح خزائنها لهدرالملايين أو المليارات من أجل حفلات المحتوى الهابط، في حين تستكثر على الفقير أن تُشبع جوعه، وتلك هي نكتة أخرى غير مضحكة في العراق.

لم يبعد الزمن عن هذا الحدث سوى أيام قلائل كان العراق يعيش حِداداً على فاجعة الحمدانية التي راح ضحيتها أكثر من ١٢٠ جثة محترقة قضت نحبها حرقاً في قاعة للأعراس، لم يُعرف أو يُحاكم الفاعل، لا تسخروا، فقد جَعَلنا الزمن الرديء نعيش في عالمين متناقضين فلا غرابة من مزدوجي الشخصية بعد أن حكمنا مزدوجي الجنسية.

في ذكرى إحتفال العراق بعيده الوطني وتحت أقواس النصر تعالت الرقصات وصدحت أصوات الراقصات والعاريات وفنانات الذوق الهابط وكأنك في حفل لتوزيع جوائز الأوسكار، وكأنك من عالم لا يعيش على أرضه أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر، عالم مثالي في التعليم والتربية والسعادة، بلد لا يُعشعش فيه الفساد ويتكدس على أرضه اللصوص والسُرّاق، وطن لا يأكل البعض من أبنائه من فضلات القمامة.

سقطت كلمات النشيد الوطني عندما تمايلت على ألحانه البلوكرات والفاشينيستات وهم يتلذذون بكلماته المعطوبة وهي تتكرر على لسان المطربة، حتى لم نعد ندرك حقيقة الكلمات الحقيقية للنشيد الوطني العراقي أو نُفرّق بين “ناعماً منعماً” أو “سالماً منعماً” مع ضرورة التدقيق في معاني الكلمات ومقصدها الذي يوحي لمعنى آخر.

هل كل ما يحدث في العراق هو صدفة أم بفعل فاعل؟ تمعّنوا في السيرة السلطوية وإستنتجوا خواتيم الحكاية.

في إحدى حكايات علي الوردي عالم الإجتماع العراقي التي يرويها يقول “إن أحد رجال الدين نُوّم ذات مرة تنويماً مغناطيسياً وأوحي إليه أثناء النوم أنه إذا سمع دق الساعة بعد إستيقاظه فإنه يجب أن يُلقي عند ذاك خطبة رنانة في مدح الكفر والزندقة، فلما إستيقظ هذا الرجل المتزمت جلس يتحدث كعادته ولكنه لم يكد يسمع دقات الساعة حتى إنتفض واقفاً وأخذ يُلقي خطاباً حماسياً في مدح الكفر كما أوحي إليه أثناء النوم، وبعد الإنتهاء من إلقاء كلمته، سأله أحد الحاضرين عن مصائب ما شوهد فيه من تناقض، أخذ الرجل المسكين يأتي بالحجج والبراهين القاطعة أنه لم يناقض نفسه وإن عمله كان الصواب ولم يقصد من ذلك الفعل سوى الخير وإستشهد لأقواله كعادته بِنُتف من الحديث وما تيسّر من القرآن الكريم”، ستجدون التبرير جاهز من سلطة الإسلام السياسي بوصف تلك الأحداث بالعفوية، لم يقصد منها غير الفرح والإبتهاج بالعيد الوطني العراقي (المشكوك في تاريخه) والمختلف على موعده فهو في كل الأحوال مجرد نشيد وطني ضائع لبلد منهوب يستقر في قعور الضلال والإنهيار والفوضى، لكن الغرابة في الموضوع أنه لا زال هناك من يريد الحفر أكثر في ذلك القاع.