تحتفل الاسرة الصحفية العراقية هذه الايام بذكرى انطلاقتها الرابعة وألاربعين بعد المائة ، في مسيرة حافلة بالعطاء الصحفي أثبتت خلالها الأسرة الصحفية ذات الموروث الحضاري العريض انها قادرة على ان تعيد لهذا البلد رونقه، وبخاصة انه كان البلد الذي أرسى اولى دعائم الكلمة، قبل آلاف السنين، وما زال يسعى لأن تكون له كلمة ، بعد ان جف حبر الكلمة، أزاء ما تعرض له من هجمات ، إستهدفت إبقائه يرضخ تحت نير الظلم والتعسف والاضطهاد والتخلف لقرون من الزمان.
لقد سطر الصحفيون العراقيون طيلة مسيرتهم الصحفية ملامح انتقالة نوعية في مسيرة الاعلام الناهض ، بعد ان استفادوا من تجارب الدول التي سبقتهم في ميادين التطور العصري التقني في مجالات الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، إذ لم تكن تلك الوسائل متطورة في بلداننا العربية ، الا بعد ظهور علامات تقدم في النهضة الاوربية التي وضعت للعالم الاطار الأولي ، لكيفية سلوك هذا الميدان الحيوي، مستفيدة من متنفس الحرية واجواء الديمقراطية التي بزغ فجرها في أوربا في القرن الثامن عشر وما بعده، وما شهدته ثورة الاتصالات من تقدم مذهل، كان الصحفيون على إطلاع بمجريته، وقد حاولوا جل سعيهم الاقتراب من هذا التطور والاستفادة منه بما يخدم رسالتهم الاعلامية ، وقد واكبوا المسيرة الاعلامية العالمية، الى ان وضعوا اللبنات الاولى لمسيرة الصحافة والاعلام في عصرنا الراهن الزاخرة بالعطاء المتجدد وبالاطر الاعلامية التي وفرتها للصحفيين الاجواء الديمقراطية، ما انعش الصحافة العراقية ، الى حد ما ، رغم كل ما تعرضت له مضايقات على حرية التعبير ، الا انها استطاعت ان تشق طريقها بنجاح وتسجل في سفر التاريخ الصحفي العالمي ما يمكن ان يشكل علامة فارقة يشار لها بالبنان.
ورغم ماحظي به الصحفيون العراقيون من وسائل دعم ومساندة وما قدموه من تضحيات في حضرة صاحبة الجلالة ، الا ان الاسرة الصحفية ما زال يحدوها الامل بأن يتم تحسين ظروف العاملين في الحقل الاعلامي سواء ممن يعملون في مؤسسات دولة أو مؤسسات القطاع الخاص ، ويعيش الاغلبية منهم ظروفا معيشية غاية في الصعوبة ، ولا تتوفر لهم ظرف عمل وعيش هانئة يوازي حجم جهدهم في ان يبقوا مشاعل نور تنير طريق الاجيال وتسير بها نحو انطلاقتها المتوثبة الى أمام ، وتواكب مسيرة التطور العالمي ، وهي تأمل من الجهات المختصة وبالتحديد نقابة الصحفيين ، التي رعت نشاطهم المهني والفكري ان تكون أكثر انصافا لزملائها الذين يعانون من شظف العيش وتدني مستويات الحياة ، وحتى الاعتداء على حقوقهم الصحفية ،وهم يأملون ان يكون لهم نصيب في معالم تحسين احوال عوائلهم حالهم حال القطاعات الاخرى التي تحسنت ظروفها، رغم ان كوكبة الاعلاميين تقدمت الصفوف في قيادة العمل الجماهيري وفي التوعية والتثقيف وفي تعزيز البناء الديمقراطي، الا ان ماجنوه حتى الان من مكاسب لايوازي حجم الجهد المضني الذي تقدمه الاسرة الصحفية في نواح كثيرة.
ورغم التطور الهائل الذي شهده عالم الصحافة في العراق من حيث اتساع نطاق الحريات الصحفية ووسائل التعبير الا ان اجواء الصراعات السياسية والطائفية تلقي بظلالها الثقيلة على الاسرة الصحفية وتشكل حجر عثرة دون ان تستطيع مواكبة مسيرتها في ان تنتقل بالمتلقي العراقي الى الحالة الافضل التي يتمناها الصحفيون لبني شعبهم ، بعد ان مزقت الصراعات وحدتهم الوطنية وبقيت الصحافة الدعامة التي ناضلت من اجل ارساء مفاهيم السلام والأمن والوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين ابناء الشعب ووفرت الاجواء للمصالحة الوطنية وغطت كل الفعاليات التي تدعم هذا التوجه انطلاقا من رسالتها في ان تكون مشاعل تنير طريق الاجيال لتنتشلها من الواقع المظلم الى واقع اكثر اشراقا وتقدما، وحظيت الصحافة العراقية بإهتمام الشعب العراقي وحتى الحكومة ، لكن ما حصدته حتى الان من مكاسب يكاد يكون صغيرا جدا قياسا الى حجم المهمة الملقاة على الاسرة الصحفية، التي تأمل من الحكومة والسياسيين والبرلمانيين ان يكونا أكثر انصافا ودعما لحقوقهم في مجالات حرية والتعبير وفي توفير أجواء عيش تليق بمكانتهم ودورهم الريادي ، وهم الذين تحملوا كل مشاق الارهاب وما واجهه لهم من سهام أصاب أرواح الكثيرين منهم، وما زالوا يبقون قرابين الولاء كواكب من التضحيات والشهداء الذين أرتفعت أراواحهم الى عليين ، وها هي الاسرة الصحفية تأمل ان تجد ذلك الاهتمام الذي يوازي حجم التحديات التي تواجهها وهي كبيرة بكل تأكيد.
وألف تحية وباقات ورد معطرة للأسرة الصحفية العراقية وهي تحتفل بعيدها الخالد، وامنيات بأن يتم تحقيق بعض أحلام هذه الشريحة الأكثر وعيا وثقافة ، والتي تعرضت لظلم كبير، ولم تنصفها نقابة الصحفيين حتى الان ، رغم جهود النقابة في تحقيق بعض المكاسب للصحفيين الا ان كل ما تحقق حتى الان، لهذه الشريحة يكاد يكون قليلا جدا، ولا يوازي حجم مايقدمونه من جهد وما يبذلونه من تضحيات، وتكاد قطعة الارض السكنية لأسر الصحفيين ، المطلب الاساس الذي لم يتحقق حتى الان، وعلى النقابة ان تحقق لهم هذه الامنية الغالية في مكان محترم يليق بهم، ونقيب الصحفيين العراقيين الاستاذ مؤيد اللامي لايألوا جهدا في انجاز هذا الحلم بأسرع وقت ممكن، وما تم تخصيصه من مواقع أراض حتى الان في بغداد ، لايرتقي الى مكانة الاسرة الصحفية بكل تأكيد،فمن يعيد للاسرة الصحفية إبتسامة الأمل التي ينبغي ان ترتسم على شفاهها بعد كل هذا العناء الذي تحملته طوال مسيرتها ،واذا ما خلصت النيات ، وتم احترام مكانة صاحبة الجلالة فيمكن للجهات ذات العلاقة ان تحقق للاسرة الصحفية بعضا من أحلامها المشروعة، وهي مهمة ليست صعبة المنال، لو كانت هناك خطوات جادة في هذا الإتجاه.