عرفته شخصيا استاذا أكاديميا ومخرجا متميزا في تحليل النصوص المسرحية وتفسيرها..لتخرج واعية مؤثرة في نفوس المتلقين..,لم يكن عاديا في نظرته الثاقبة للحياة وللثقافة والفن على وجه الخصوص…من عمل معه يشعر أنه يعمل
مع حس مرهف متألق بالحب والحياة والعمل…خلية نحل تتحرك لتعطي ثمارها قبل أن ترحل..لم يكن انانيا في عطائه كان معلما ناجحا حتى للمبتدئين للفن…يعلمك كيف تكون ممثلا تؤدي بحرفية الفنان الواعي الذي يشعر بقيمة الحركة والايماءة والصوت..عوني كرومي الانسان والفنان الذي شغل اكاديمية الفنون الجميلة ومسارح العراق بفن مسرحي راق كرقيه….لايعتمد الوصفات الجاهزة والمثل المحترف..بل يعتمد خلق الجديد من خلال الابتكار…معتمدا على النهج البرختي الملحمي في تفسير فن التمثيل والاخراج..ولعل تجربته في الدراماتورك مع المخرج الالماني فيباخ نموذجا في
الخلق والابداع في مسرحية رؤى سيمون مشار التي عرضت على مسرح الاكاديمية في ثمانينيات القرن الماضي…التي ابدع فيها وقدم ممثلين من الوسط الطلابي وتبوء البطولة في عرضه المسرحي الذي نال استحسان الجمهور والنقاد..من خلال ورشة عمل مسرحية متكاملة في الانارة والديكور ان نجاح وتمكن الدكتور عوني كرومي يكمن في اعتماده على العناصر التالية:
1-استخدام العناصر الخامة في توصيل فكرتة من ادوات مسرحية الى عناصر العمل الاساسية
وبذلك خلق مع البساطة التمثيل التلقائي المتقن .
2-ان الحياة الصميمية الحقيقية بالنسبة د .عوني كرومي هي ان يعيشها بعمق مع شخوصه وهم على خشبة المسرح، هي ان يتواصل مع غايته الذي اختارها منذ ان كان في بداية تأسيس تقاليد مسرحية رصينة ، ومنذ ان شعر بمعاناة الانسان المهدورة كرامته ومنذ ان قرر دون تردد السعي لمساعدته ، ولتغيير جزءٍا من ذلك الحال ، فوجد على خشبة المسرح انبل واجمل ساحة للتغيير..أي.الايمان بالرسالة المسرحية التي تعني الكثير أن من يؤمن لعدالة مشروعة يبدع. ويغير.
3-يقول د.عوني كرومي وهو يصف ممارسته المسرحية :
“كان ومايزال العمل المسرحي بالنسبة لي فعل حياة وبقاء وتطور وسؤال دائم عن الكينونة والوجود وعملية ابداع الذات إلى جانب كونه رحلة ومغامرة في المستقبل بهدف الوصول الى الحقيقة وايجاد أجوبة لأسئلة العصر الراهن . كما أن العرض المسرحي حوار دائم مع النص والسينوغرافيا والممثل والمشاهد لأجل تحقيق الدهشة والانشداد بدل الارتياب والشك، الإعجاب والاستمتاع محل الاستهانة والضجر والتهكم وصولا الى شكل يحقق المتعة الفنية الراقية عبر الأداء المتميز والعطاء الإبداعي الخلاق للممثل الذي يرفد ثقافة المشاهد بما هو جاد وممتع ونافع، مرتقيا بمشاعره وانفعالاته وأسئلة الحرية المتعددة، ماهو ذاتي ومنها ماهو اجتماعي. يبقى ديدن العرض المسرحي المقدم الى جانب حرية الفن واستقلاليته التي تشكل في زمننا المعاصر سؤالا تصعب
الإجابة عليه. فلسفة متكاملة لطبيعة مايريد أن يصل أليه.فهو يمتلك الرؤية الفكرية الفاعلة لتحقيق هدفة السامي في خدمة المجتمع.
4-ويصفه الناقد العراقي الكبير جواد علي الطاهر (ان “كرومي يمزج بين التجريب المنفلت والاكاديمية الصارمة، بين نص منفتح على احتمالات وبين طريقة اخراجية تفجر في النص مستويات التأويل، مثل عمله في مسرحية غاليليو وكوريلانس ورثاء اور”. وتابع “ثم تحول الاختيار الى بناء فكري فلسفي خصوصا عندما
اتسع عنده حجم السؤال عن الحياة المعاصرة وعن الانسان الشعبي فكانت تساؤلاته معرفة وبحثا وعندما لم يجد بعضها في النصوص القديمة ابتدع النص او الفه من خلال لعبة الحياة كما عبر عن ذلك في مسرحيات تساؤلات وترنيمة الكرسي الهزاز″ ,ورؤى سيمون ماشار) , هو الوعي الحسي لمكنونات الحياة بسلبياتها وايجابياتها والخروج من المألوف التقليدي في عرض الهم الانساني بأسلوب متفرد حسب له.
5-الطيبة المتناهية والاحترام الكبيرللصغير
والكبير … د.عوني كرومي كان ينظر لكل الادوار أنها كبيرة ومهمة…البطل هو المجموع وليس الفرد الممثل…لذلك كان الجميع يؤدي عملة بتقنية وببراعة عالية ودون ملل وتعب أنه الحب التفاعلي بين من يقود العمل وعناصره متجاورا النفس الاستعلائي للمخرج المسرحي …
هكذا كان هذا الانسان الفنان عوني كرومي كريما جدا معنا…لكنه اجتاحته سنوات الغربة وغربته وغيبته عن أرضه التي عشقها والتي عبر عنها في رسالته الاخيرة للدكتور فاضل
خليل بشكل مؤلم ورغبة كبيرة أن يعود ليخدم هذا البلد الذي منحه اسمه وعنوانه ,فالوطنية العالية له لاتحتاج لإثبات وادلة, حيث قال الأخ والصديق العزيز والقريب إلى القلب والروح فاضل
اسمح لي ان أخبرك بهذه الحقيقة وهي إنني مثل أي متخلف اترك أمور الرد على الرسائل إلى أم حيدر أم اليوم فانا مذنب وأود ان اعترف بذلك كيف حالك أيها العزيز أنت دائما على البال ونتذكرك بكل خير أنا وأبو سلام ونتكلم عنك بكل خير ومودة اعرف ان
الأمل اليوم في اللقاء بك أصبح أصعب من الصعب ذاته والألم والحزن يشمل كل وجودي وحياتي أنا حزين لكل ما يحدث كنت كل يوم احلم بالعودة واحزم حقائبي وانهي كل معلقاتي وأكثر من مرة أصل إلي المطار أو محطة الباص في القاهرة ودمشق ولكن القدر اكبر مني, أتراجع ,أنا اعرف جيدا أن سلطة الخوف هي التي تمنعني ماذا افعل كم أتمني أن التقي بك أيها العزيز أولا وكم أمل ان أعود إلى كل الأحبة الطيبين ..ان ثقتي كبيرة كبر هذا الكون وان الذي يحدث لايمكن أن يكون حقيقة أنهم يسرقون زماننا ويدمرون روحنا وذاكرتنا
عزيزي فاضل
سقطت زهورنا في النبع الذي كنا نبحث فيه عن وجوهنا
متعب من الترحال والفراق والغربة ومجهد من الألم
أريد أن احتضنك يا فاضل يا عزيز ولو لمرة واحدة كي اطفيء الحنين
في الدقات البطيئة لقلبي المجهد اسمع صوت العراق يناديني
يا تـــــرى هـــــل سنـــــعود يومــــا
إنني ابكي بحرقة هل ترى في العتمة بصيص أمل..نور
هل سنغرف من نبع حب العراق يوما ؟؟؟
عندما أغمض عيوني في العتمة أرى العراق الجميل الذي اعرف
أرى عينك يا فاضل, تندفع إلى بوابة قلبي
أنا ابحث عن وطن يحتويني عن قلب
فلقد أجهدني الترحال
أنـــــــا لازلـــــت انــــتظر اليـــــوم
أيضا مثلما كنت قبل سنين على أمل ان يلوح في الأفق ؟؟؟
أم أن كل شيء قد انتهى, أنا أصبو ولكنني لا اقدر, كيف سينتهي كل شي, أنا أصبو, أنا احلم ففي الكون الذي أنا فيه يعجز الإنسان عن تحقيق أي شي أو أنا الآن أعلن عن عجزي
لهذا اليوم اكتفي بهذا الحد على أمل أن نتـــــواصــــــل فـــــي المستــــقبل فلـــقـــــد اخــــــذ الحـــــزن يطفوا
على رسالتي لك
تحياتي القلبية لك والى العائلة وجميع الأصدقاء والطلبة والمعارف المشتركين انك دائما معي حتى لو لم اكتب أيها العزيز اقبل مودتي وحبي
-المجد لك يا عوني كرومي وأنت في ملكوت السماء و نحن طلابك ومحبيك لازلنا نغترف من روحك الجميلة وهي تدلنا على منابع الخير والتقدم
والرقي…