19 ديسمبر، 2024 6:13 ص

عولمة “التخلف”

عولمة “التخلف”

العولمة هي احدى نتاجات عصر التقدم الذي  نعتاش عليه ولا نعيشه . وثورة المعلومات التي بشر بها الفن توفلر في “صدمة المستقبل” هي احدى اهم ادواته “التقدم” ونتائجها “العولمة”. توفلر “لبلبنا” القصة من خلال اطلاقه تسمية “الموجة الثالثة” والمقصود بها تكنولوجيا المعلومات بعد ان كانت البشرية قد عاشت من قبل موجتين هما مابعد المجتمع الزراعي وما بعد المجتمع الصناعي. هذه التحولات كلها ليس لنا منها نصيب لا من قريب ولا من بعيد لانها حصلت كلها في اوربا منذ الثورة الصناعية وما تلاها من حروب وثورات وما نتج عنها من افكار وفلسفات واختراعات وجوائز وفي المقدمة منها نوبل التي لاتزال ام الجوائز.
لست انوي هنا اللجوء الى جلد الذات وتقريعها لاننا شبعنا من ذلك. لكني في الوقت نفسه لا اريد تبرئة الذات او ارجاع كل ما حصل من تحولات الينا نحن من خلال ما عمله ابن رشد والحسن ابن هيثم وابن ماجد وحتى ابن خلدون فضلا عن “الف ليلة وليلة ” التي وان كانت خيالا خلاقا لكنه فضح “جوانيتنا” الشهريارية. القصة ليست هكذا في كلتا حالتينا.. الغرب ونحن. بل تكمن في ما بتنا نملكه من مقدرة فذة ليس في حسن سير التقدم الى الامام بل في “عولمة التخلف” الى الوراء.
من الناحية العملية نستغل كل مخرجات الثورة الصناعية وثورة المعلومات وما نتج عنها من وسائل وتقنيات تبتدئ بالتلفزيون ابو الريموت كونترول والاقمار الصناعية المتعددة الى الهواتف النقالة فالانترنت وتمثيلاته “الفيس بوك وتويتر ويوتيوب” يضاف الى ذلك غوغول وياهو. في كل بيت تلفزيون وانترنت وموبايل. ومثلما التلفزيون اشكال وانواع  فان الموبايل اصبح الان انواعا هوالاخر من “ابو الطابوكة” الى  الاي باد والاي فون والبلاك بيري. كل رجل بالغ عاقل الا ماندر   لديه فيس بوكه وتوتيره ويتيوبه . والمراة التي للرجل منها “مثل حظ الانثيين ” في التوريث بات لها في العالم الافتراضي “مثل حظ الذكرين”.
حتى الاطفال لديهم  حتى الان  مزارعهم السعيدة التي هي  بوابة الانفتاح على ما عداها. الفريضة وشيخ العشيرة  ورئيس الفخذ صار لديه كل هذه الادوات ايضا. المضيف والديوانية والربعة بات لها موقعها على الفيس بوك وربما تويتر  لمن يريد المزيد من المتابعة والاتصال ومعرفة اخر اخبار الفصول والسواني العشائرية . رجال الدين هم ايضا باتوا ينشرون فتواهم عبر الفيس بوك ويغردون داخل السرب مع تويتر ويضعون فضائح خصومهم من الدعاة المنافسين او المناوئين من الطرف الاخر على يوتيوب والبادي اظلم ومثواه جهنم وبئس المصير.
 الاحزاب والكتل والتكتلات باتت لها مواقعها ومعالمها عبر الفضاء المفتوح. ربما هناك من يقول واين المشكلة في ان ننفتح على عصر العولمة؟ المشكلة لم تعد في الانفتاح لاننا “انفتحنا” وليتنا لم ننفتح. والدليل اننا اليوم بارعون في نبش الماضي لا لكي نعيد النظر فيه او نكيف ما يصلح منه للحاضر دعك عن المستقبل ونتخلى عن الباقي طائعين مختارين. بل لكي نعيد النظر في “المستقبل” لان للفيس بوك وتويتر والاي فون واليوتيوب اصولا في التراث. ولكن اي تراث.. حتى هذه اختلفنا عليها وسنظل مختلفين بشانها الى .. 1400 سنة قادمة.  

أحدث المقالات

أحدث المقالات