نيقولاي فاسيليفتش غوغول ( 1809 – 1852 ) – القاص والروائي والكاتب المسرحي الكبير والمفكٌر لا زال يثير النقاشات العاصفة والخلافات الهائلة بين عشاقه ومؤيديه وقرائه الى حد الآن , رغم مرور الزمن, وقد برز اسمه في الاونة الاخيرة وبشكل حاد جدا مع تصاعد الوضع السياسي المتوتر بين روسيا واوكرانيا بالذات , ولا نريد التوقف عند هذه النقطة الملتهبة فعلا حول هذا الاديب العملاق , ولكننا نتحدث الان عن مسألة طريفة اخرى ترتبط بتمثاله الموجود في العاصمة الروسية موسكو , فقد سبق لنا ان نشرنا مقالة بعنوان – ( قصة تمثال غوغول في موسكو ) , وتحدثنا فيها كيف تم جمع تبرعات من مختلف فئات الشعب الروسي آنذاك لتمويل تمثال لهذا الكاتب الكبير لمناسبة ذكرى ميلاده المئوي عام 1909 في موسكو , وكيف تم فعلا نصب وتدشين ذلك التمثال في العاصمة الروسية آنذاك وردود فعل المثقفين الروس المتنوعة والمتناقضة تجاهه , وتوقفنا بعدئذ عند موقف السلطة السوفيتية السلبي بعد ثورة اكتوبر 1917 ونظرة ستالين بالذات بشأن هذا التمثال وخصائصه وطريقة تنفيذه, و التي كانت تعبر بصدق وعمق عن غرائبية ابداع غوغول وازمته الروحية الرهيبة في نهاية حياته, والذي أطلقوا عليه تسمية – ( تمثال غوغول المكتئب الحزين ) , وكيف أدٌى هذا الموقف في نهاية المطاف الى اتخاذ قرار برفع ذلك التمثال من مكانه, ومن ثمٌ , تمٌ وضع تمثال آخر بدلا عنه عام 1952 , يعبر عن مفاهيم السلطة السوفيتية تجاه غوغول ونتاجاته الابداعية , وكما كانت تريد أن ينظر الناس اليه , وكتبوا على منصته جملة – ( من الحكومة السوفيتية ) , وكان غوغول واقفا ومبتسما , وأطلق عليه بعض الادباء غير المحبذين لهذه الخطوة آنذاك تسمية – ( غوغول المرح ) , وتناولنا في مقالتنا تلك ايضا كيف ان مجموعة من المثقفين الروس توجهت الى الرئيس الروسي في حينه دميتري ميدفيدف والى أعضاء الحكومة الروسية حينئذ في الذكرى المئوية الثانية لميلاد غوغول عام 2009 وطالبت بارجاع التمثال القديم لغوغول الى مكانه الاول ورفع التمثال الثاني هذا , لان التمثال الاول يجسد شخصية غوغول وابداعه احسن وأجمل وأعمق من التمثال الثاني , ولأن عملية رفع التماثيل وابدالها وفقا لرغبة السلطة الحاكمة هي عملية غير صحيحة وتتعارض و تتناقض مع المفاهيم الحضارية للثقافة ومسيرتها ,وتتقاطع ايضا حتى مع الصفات والخصائص التاريخية لكل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي للبلد , وانها ليست – ( لعبة شطرنج ) كما قال أحد الادباء الكبار , وتوقفنا عند النقاشات التي أثارها ذلك الطلب يين أوساط المثقفين الروس عندها بين مؤيد ومعارض له , وانهينا مقالتنا تلك بالاشارة الى ان وزارة الثقافة الروسية لم تستجب آنذاك الى ذلك الطلب وبقيت صامتة دون اي تعليق طوال فترة الاحتفالية بالمئوية الثانية لميلاد غوغول آنذاك . الآن نريد ان نتوقف عند موضوعتمثال غوغول بموسكو مرة اخرى هنا والحديث عنه من جديد , اذ برز موقفآخر وخبر مثير و غير متوقع في هذاالشأن, وهو ما نشرته صحيفة – ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الجريدة الادبية ) الروسية الاسبوعية الواسعة الانتشار في عددها المرقم ( 6454 ) الصادر بتاريخ 19-25 آذار / مارت 2014وفي صفحتها رقم 14 , والخبر المثير هذا جاء بعنوان – ( من حياة التماثيل ) ويضم قسمين , القسم الاول يتناول تمثال غوغول في موسكو , والثاني – تمثال ماياكوفسكيفي موسكو ايضا. يشير الخبر الى ان تمثال ماياكوفسكي في موسكو – ( سيبقى في مكانه ) , اما تمثال غوغول ف – ( سينتقل ), ونشرت الجريدة المذكورة صورة مرفقة بكل قسم من هذاالخبر , وهي تمثال ماياكوفسكي الموجود في موسكو بالنسبة لماياكوفسكي , اما الصورة الاخرى الخاصة بغوغول فهي لتمثال غوغول الاول الذي قام به النحات الروسي الكبير أندرييف , والذي تم نصبه عام 1909 في الذكرى المئوية الاولى لميلادهوليس لصورة التمثال الثاني الذي أنجزه النحات الروسي تومسكي , والذي تم وضعه و تدشينه عام 1952, وفق مواصفات ومفاهيم ومتطلبات السلطة السوفيتية آنذاك زمن ستالين كما مرٌ ذكره أعلاه, ولا زال هذا التمثال موجودا هناك الى حد الآن . ويبتدأ الخبر هذا بالجملة الآتيةو التي اترجمها عن اللغة الروسية حرفيا وكما يأتي– ( التمثال الشهير لغوغول من عمل النحات نيقولا اندرييف من الممكن قريبا ان يعود الى مكانه الشرعي . ), وهذه هيالترجمة الحرفية للجملة, والتي يجب ان تكون بالعربية السليمة كما يأتي بالطبع – ( من الممكن قريبا ان يعود التمثال الشهير لغوغول والذي أنجزه النحات نيقولا أندرييف الى مكانه الاصلي ) , وهذا يعني , ان تمثال غوغول الآخر ( اي التمثال الثاني ) يجب ان يتم رفعه من ذلك المكان , الذي يقف فيه في موسكو منذ اكثر من ستين سنة , وهذا يعني ايضا , ان المقترح الذي تقدمت به مجموعة من المثقفين الروس في عام 2009 , اي في الذكرى المئوية الثانية لميلاد غوغول , حول ضرورة اعادة التمثال الاول و الاصلي لغوغول , والذي تم وضعه وتدشينه عام 1909 في موسكو , قد تمت الموافقة عليه الآن فقط , اي بعد مرور أكثر من أربع سنوات على تقديمه , رغم ان الخبر لا يشير بتاتا الى ذلك طبعا , ولكنه يشير – مع ذلك – الى ان التمثال الحالي لن يتم الاستغناء عنه ,بل سيجري تقديمه هدية اما الى مدينة زيلينغراد اوالى مدينة بطرسبورغ , وبالتالي وضعه هناك في مكان مناسب , ويعلق كاتب الخبر على هذا القرار قائلا ,ان العاصمة موسكو لا تحتاج الى تمثالين لغوغول فعلا و من المؤكد انها لا تتحمل ذلك, رغم ان عظمة غوغول اصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد العام للعاصمة الروسية , ويختتم الصحفي هذا الخبر المثير حقا بالاشارة الى ان تنفيذ هذا القرار سيكلف كثيرا من الاموال والجهود , ولكنه يظن ان الذين قرروا القيام بهذا العمل من أعضاء اللجنة المسؤولة عن التماثيل الفنية في موسكو والتي تعمل باشراف مجلس الدوما الموسكوفي يعرفون مسبقا ذلك , ويعرفون ايضا كيف و من اين سيحصلون علىكلهذه الاموال الضرورية لتنفيذ ذلك المشروع الجديد حول غوغول وتمثاله في العاصمة الروسية.