جاءت سيطرة حركة طالبان السريعة والمفاجئة على أفغانستان، ليس بسبب قوتها الميدانية فحسب، وإنما نتيجة ضغوطات مستمرة لإجبار عناصر ومسؤولين في الجيش والحكومة على الاستسلام وعقد الصفقات.
وقد مزجت الحركة التهديدات والتحفيزات بالدعاية والحرب النفسية عند الاستيلاء على مدينة تلو الأخرى، بعضها بالكاد أطلقت رصاصة واحدة حتى الاستيلاء في النهاية على العاصمة كابول.
إن حركة طالبان تعود الآن إلى المشهد في بلاد الأفغان وقد حققت انتصارات واستولت على مدينة تلو الأخرى، وأحكمت السيطرة على العاصمة كابول بدون قتال، وكل يوم نصر جديد، ما جعل الكثيرون يندهشون من هذه الانتصارات بعد عشرين سنة من الغياب والاحتلال الأمريكي للبلاد، الذي كان يسعى إلى تأهيل حكومة أفغانية موالية، وتشكيل جيش قادرًا على توفير الأمن وضمان الاستقرار في أفغانستان، ولكن بعد انسحاب الجيش الأمريكي وقفت القوات الأفغانية الحكومية عاجزة أمام ضربات الحركة في كل مدينة، الأمر الذي جعل باب التأويلات مفتوحة، لكن كل هذه التأويلات لم تصمد أمام الحقيقة الواضحة أن حركة طالبان متجذرة في عمق المجتمع الأفغاني. فعلى الرغم من عشرين عامًا من الاحتلال الأمريكي، والتضييق على الحركة، ومطاردة عناصرها في كل مكان، والحملات التي طالتها من أطراف الاعلام العالمي والعقل السياسي الغربي والعربي، إلا أنها تعود بقوة وتجد قبولًا من طرف الشعب ومن طرف المجتمع الدولي.
لقد قامت حركة طالبان بمراجعات نقدية ذاتية معتبرة وهي بعيدة عن الحكم، لاستخلاص النتائج والعبر من ممارساتها ومسلكياتها ونهجها السابق، ولعل التصريحات التي يطلقها قادة الحركة لتعزيز الثقة وطرد التوجس من نفوس دول الجيران، حيث أعلنت الحركة بأنها ستقيم علاقات قائمة على الاحترام، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ولكن هذا لا يكفي لكسب ثقة الداخل الأفغاني الذي ينظر إلى مشروعها المجتمعي ما قبل الدولة، مشروع متشدد ومتعصب يتطلع إلى الماضي البعيد، دون اعتبار للواقع الحاضر المعقد، ما يجعل الناس تشعر بالخوف على الحاضر والمستقبل. وعلى ضوء ذلك يجب على الحركة أن تراجع نهجها المتشدد، والانفتاح على الواقع أكثر، واحترام التعددية السياسية والفكرية والثقافية، وتعمل على تطوير وتجديد فكرها وسياستها ونهجها.
إن الهزيمة التي منيت بها الاحتلال الأمريكي في أفغانستان تعتبر مزلزلة ومجلجلة على المستوى العسكري والسياسي، وتترك آثارها إلى ما بعد أفغانستان. ويجب ان لا يمر انتصار حركة طالبان، وهزيمة المحتل الأمريكي على الباحثين والدارسين والمحللين مر الكرام، بل من الضروري التوقف أمامها وتحليلها، للخروج بنتائج مفيدة تستغلها حركات التحرر في العالم الساعية لتحرير الأوطان والخلاص من المحتلين وعملائهم.
وللفشل الأمريكي عناوين كثيرة أهمها داخليًا، فمرة أخرى يخرج الأمريكيون من غير تحقيق أي أهداف بعيدة المدى، والسياسة الخارجية الأمريكية أصبحت عبئًا على أمريكا المحملة بمشكلاتها الداخلية، خاصة بعد فترة ترامب الصاخبة.