عادت حركة طالبان لحكم أفغانستان بعد ان سقطت تجربة حكمها الأولى( 1996 ـ 2001 ) باحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001 بتحميل طالبان مسؤولية احداث أيلول / سبتمبر2001 وبدء حربها على الإرهاب علماً ان واشنطن كانت قد قررت قبل 6 أشهر غزو! أفغانستان ، وطالبان ، كما هي القاعدة وداعش قد اسستها الولايات المتحدة وبمشاركة باكستان عام 1994 من طلبة المدارس الدينية في باكستان غالبيتهم من البشتون الجبليين الاشداء لتكون بديلا عن حكم التحالف السباعي لأحزاب الإسلام السياسي وقياداته المعتقّة أمثال رباني وسياف وحكمتيار ومجددي ومحمدي وعبد الرشيد دوستم وملا اسماعيل و..الذي يرى كل واحد منهم انه احق بالحكم ! ثم تخلت واشنطن عن طالبان واطاحت بهم عام 2001،اذ اقترفت طالبان في حكم الخمس سنوات أخطاء كبيرة كانت سبباً مضافاً في اسقاطها وذلك لقلة الخبرة في إدارة دولة من قبل ملالي ثم التشدد في فرض الحجاب على النساء ومنع تعلمهن وغلق دور السينما وتحويل التلفزيون لبث شعائر دينية و الدعاية لمعتقداتهم وغلق السفارات بإعلان انها لاتمثل سلطتهم !وايوائهم القاعدة و أسامة ابن لادن!! واليوم تأتي إدارة بايدن بـ طالبان ثانية بتوقيع اتفاق سلام معهم في تموز ـ يوليو 2020 تنسحبت بموجبه القوات الامريكية مقابل ضمانات بعدم جعل أفغانستان ساحة للقاعدة وداعش والمنظمات الإرهابية وإقامة حكم مشترك! فهل ان ما حصل من انتصار طالبان ودخولها كابل وفرارالمسؤولين السابقين وجيش الـ 300 ألف المدرب والمسلح امريكياً كان مفاجئاً للرئيس جو بايدن وادارته ؟!المفاجيء هو سرعة انتصار طالبان وهذا الانهيار الأسرع لحكومة غني ! اما انسحاب القوات الامريكية المفاجيء له حساباته في ميزان المصالح والتنافس الإقليمي والدولي على أفغانستان وانه خلاص للامريكان الذين فقدوا ، حسب روايتهم بحدود 2500 قتيل وما يقرب المليار دولار؟! فليس من المعقول ان تفرط واشنطن بهذا البلد المنجم بمعادنه الثمينة ( ذهب ونحاس وحديد وكوبلت وليثيوم ويورانيوم) بقيمة مقدرة بأكثر من 3 تريليون دولار يضاف له موارد النفط والغاز الطبيعي ،إضافة الى موقع افغانستان الهام وسط اسيا اذ كانت “دولة عازلة” بين روسيا القيصرية والامبراطورية البريطانية في القرن 18 ،وكذلك أيام الحرب البادرة عزلت العالم الشيوع عن المياه الدافئة ، واليوم تعتبر ممراً أساسياً ووحيداً للنفط والغازالطبيعي ـ عبرالاراضي الافغانية ـ من دول اسيا الوسطى الى بحر العرب (خط tapi لانابيب الغاز من تركمانستان ـ باكستان ـ الهند، والخط الثاني ipi أيران ـ باكستان ـ الهند) وازدادت الأهمية بعد قيام الصين باحياء طريق الحرير وتنفيذ مشروعها العالمي( حزام واحد ـ طريق واحد ) الذي يربط القوقاز بغرب الصين وبامير باوزبكستان على طريق الحرير الشمالي، والذي يشكل إنجازه نصرا اقتصاديا وسياسيا صينيا تصبح فيه الهيمنة للصين على مناطق الطاقة ! فهل ان الامريكان لايدركون ذلك ولا يقدرون خطورة تفوق الصين وتحالفها مع روسيا على مصالحهم ؟ واشنطن تعي ان عودة طالبان مخاطرة أقدمت عليها لخلط الأوراق واغراق أفغانستان بالمزيد من الدماء والمشاكل وبما ينعكس على أوضاع دول الجوار وبالأخص الصين وروسيا ! مقدرة ان لهؤلاء حساباتهم أيضا من عودة طالبان . طالبان وخلال 10 أيام فرضت هيمنتها على أفغانستان ولوحظ ان قياتها الحالية تتصرف ، حتى الان ، بعقلانية اذا يتصلون بكل المعنيين بالشأن الافغاني كما انهم ابقوا على عدد من الوزراء واعلنوا انهم سيشكلون مجلس حكم من 7 منهم و5 من الحكومة السابقة والقوى السياسية الأخرى كما يحاولون تطمين الشعب والعالم بانهم ليسوا طالبان المؤسس ملا عمر،ومع هذا يتوقع ان يواجهوا عدة تحيات تتمثل بالمعارضة الداخلية اذ اعلن احمد مسعود ابن اسد بنجشير احمد شاه مسعود عن قيام جبهة بنجشيرالمعارضة لطالبان ومعه سراج الدين حقاني وامر الله صالح نائب الرئيس المنهزم ،إضافة
الى الموروث الثقيل فيما يخص الامن والزعامات القبلية والمخدرات والهجرة وغيرها ولكن يبدو انها ستتعامل مع ذلك بمقدرة وبخبرة ،وهناك كذلك من سيقف ضدهم من دول الإقليم والعالم !فان لما حصل تداعياته؟ من الدول التي نظرت الى عودة طالبان بمنظار إيجابي باكستان فهي حاضنة أساسية للحركة التي نشأت فيها وتعتبر بشاور الباكستانية معقلا أساسيا لمقاتلي الحركة وكانت باكستان من بين 3 دول اعترفت بحكومة طالبان عام 1996 ، فمجيء طالبان سيساعد على اسكات البشتون الباكستانيين ( الباتان ) من المطالبة بالانفصال ،ويسهل حل مشكلة الحدود وما يسمى بخط دوراند الفاصل بين المناطق القبلية الباكستانية عن افغانستان ( الذي فرضه البريطانيون ولم تعترف به أفغانستان) كما ان الميزان التجاري بين البلدين سيكون بأفضل حالاته ، وفي ذات الوقت فان عودة طالبان اقلق الهند وسيؤثر على نفوذها المتسع منذ سقوط طالبان عام 2001 وكان لديها اتفاق شراكة موقع مع أفغانستان عام 2011 وان دلهي تخشى من اندلاع انتفاضة في كشمير كما حصل بعد الانسحاب السوفييتي عام 1989، اما روسيا فلم تكن علاقتها بطالبان طيبة اذ كانت تنظر اليها كحركة إرهابية كبيرة وقد شاركت الامريكان الحرب على طالبان تحت شعار مكافحة الإرهاب ،وانها دعمت حكومات مابعد الغزو الأمريكي ، ولكنهم عادوا وتحالفوا معهم في محاربة داعش لخوفها من انتقال خطر داعش الى جمهوريات اسيا الوسطى ، كما تقربّت منها موسكو بعد العقوبات الدولية ضدها، فمصلحة روسيا تتلخص اليوم باحتواء طالبان ومنع انتشار نفوذها وتأثيرها في اسيا الوسطى وستعمل جاهدة مع الصين للتقرب اكثر من طالبان لاسيما وانها ليست طالبان 96 ، فاليوم يطلب ودّها الجميع لأهمية أفغانستان بموقعها المميز ولكون باطن جبالها واراضيها منجماً للثروات الطبيعبية والنفط والغاز الطبيعي وممراً لهما حتى بحر العرب ، والصين يهمها ان تضمن اكمال مشروع طريق الحرير بسلامة وان مروره عبر أفغانستان أساسي وانجازه يعنى اتساع نفوذ الصين على حساب الامريكان !علماً ان الصين من اكبر شركاء أفغانستان في التجارة والاستثمار وتشترك معها بحدود من خلال ممر ( واخان ـ 70 كم) وان علاقات بكين بطالبان جيدة اذ زارها عدد من قادة الحركة عام 2019 وحتى بعد عودتهم للسلطة وانها ستحرص على تطويرها وتوثيقها وبما يساعد على تهدئة طائفة الاويغوز المسلمة المطالبة بالاستقلال ومنع تواصل متشددي الاويغوز في إقليم شينجيانغ مع طالبان، اما ايران فهي اكثر دول المنطقة تأثراً اذ انها وقفت ضد طالبان منذ عام 1996 وكادت ان تنشب بينهما حرب بعد مقتل 8 دبلوماسيين إيرانيين في ولاية مزار شريف، وكان ملالي ايران ابرز الداعمين للتحالف السباعي للمجاهدين ولحكومة برهان الدين رباني قبل استلام طالبان السلطة عام 1996 واستمرت بعد الغزو الأمريكي عام 2001 ومشاركة طهران في اسقاط طالبان آنذاك! لكن ملالي طهران ووفق سياسة البازار اقاموا سراً علاقات مع طالبان وبالتحديد بعد ظهور داعش لمواجهة مخاطره ومنع دخولهم الأراضي الإيرانية لاسيما وانها تشترك مع أفغانستان بحدود واسعة تمتمد من ( هلمند في الجنوب صعودا الى ولاية قندز) كما لايخفى ان العديد من قادة وعوائل طالبان يقيمون في مدن زاهدان واصفهان الإيرانية ، ومدى التأثر والخوف الإيراني من العودة المفاجئة لطالبان انعكس فور الانسحاب الأمريكي من الأراضي الأفغانية ،وكما معروف عن حكم الملالي انهم سيتعاملون بازدواجية وبخطين متناقضين 1ـ ناعم وودي يتقربون فيه للسلطة الجديدة والاستفادة سياسيا واقتصاديا و2ـ خط متشدد يمثله الحرس الثوري والحكومة الجديدة بدعوى حماية الشيعة الهزارة والطاجيك والعمل على تأسيس حشد (حرس أفغاني) من قومية الهزارة ( نسبة الشيعة الأفغان بين 10 ـ 12% اغلبهم من الإسماعيلية ونسبة قليلة من الاثني عشرية) ونواتها ميليشيا الفاطميون الذين قاتلوا مع ايران في حربها ضد العراق 1980 ـ 1988 واستخدمهم ملالي ايران في سوريا ولبنان واليمن بعد إعادة التشكيل عام 2015 !كما اجرى الحرس الثوري الإيراني والجيش مناورات عسكرية واسعة على الحدود مع أفغانستان من باب ابراز العضلات اذ تهدف عودة طالبان باتفاق مع الامريكان وقيام سلطة بعقيدة مناوئة للعقيدة الإيرانية في واحد من
أهدافه اضعاف ايران وارغامها على الانصياع لواشنطن ،وبالتأكيد ان لهذا تأثيره على النظام في العراق بشكل اكبر إضافة الى تأثيراته على الذيول في سوريا ولبنان والحوثيين في اليمن وبما يجعل طهران تعيد النظر وتتوقف عند الإصرار على امتلاك السلاح النووي وملف صواريخها الباليستية والتمدد على حساب دول المنطقة وممارسة ودعم ونشر الإرهاب من خلال المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري وما يسمى بالولائية وتهديداته المستمرة وهجماتها على القواعد والمعسكرات الامريكية في العراق ! ويكفي ان دخول مقاتلي طالبان العاصمة كابل وانهيارالسلطة التي أقامها المحتل الأمريكي والهروب الجماعي للمسؤولين وانصارهم وتبخر 300 ألف عسكر أفغاني مخلفين أسلحتهم الحديثة هو ما افزع سلطة الملالي في طهران والأنظمة الخزافية المرتبطة بها التي لن يكون مصيرها بأفضل من مصيرالنظام الافغاني لاسيما وان الامريكان سرعان ما يتخلون عن اتباعهم ومهما قيل عن احداث أفغانستان فانه يعتبر نصر لطالبان وهزيمة للولايات المتحدة وان انتصار طالبان هو درس ودافع للتحرك للشعوب والدول المماثلة.