لاشك أن للأعلام دور كبير ومهم في صناعة المجتمع وتوعيته وتثقيفه وتهذيبه ورفع مستواه الفكري والأجتماعي والديني والثقافي عموما ، وكذلك له تأثيره على ذائقة المجتمع فنيا ، )أعطني مسرحا وفنا جادا أعطيك شعبا مثقفا) . ونتاج التأثير الأعلامي تظهر بوضوح في الأنظمة الدكتاتورية المركزية المتشددة ، حيث كل شيء يدار من قبل الدولة وتحت أعينها ومراقبتها مع وجود فسحة بسيطة لحرية الأعلام وحسب رؤية النظام . وتكمن خطورة الأعلام عندما ترتخي قبضة الدولة عليه فيتحرك بعيدا عن أية ضوابط وقوانين وشروط عليه الألتزام بها! ، ويكون ذلك في الأنظمة التي تنتهج نهجا ديمقراطيا كاذبا وليس حقيقيا! قريب للفوضى والأنفلات في كل شيء سواء في الأعلام أو غير ذلك! كما في التجربة الديمقراطية الفاشلة في العراق! (الأمريكان أنفسهم يعترفون بفشل التجربة الديمقراطية بالعراق ، وجاء هذا على لسان الكثير من المسؤولين الأمريكان ومنهم وزيرة الخارجية السابقة كواندليزا رايس) ، فعندها يتحول الأعلام الى معول لهدم المجتمع وتدمير بنيته الأخلاقية والفكرية والثقافية وأشاعة الجهل والخرافات والفتنة والقيل والقال وأثارة النعرات الطائفية ، كما تشهده الساحة الأعلامية في العراق منذ 2003 ولحد الان ، وبالتالي تضيع الكثير الكثير من الحقائق في ظل أعلام منفلت مريب ، لا تشم من خلاله أية رائحة يمكن أن تخدم الوطن والشعب ، بل على العكس تماما!. ولأن العراق من بعد الأحتلال هبط مستواه في كل شيء كدولة فقدت هيبتها بين الدول! وكشعب ضاع حاظره وأصبح في مؤخرة الأمم ، وصار يتذكر أمسه ويتغنى به ويبكي ، ولسان حاله ينطبق عليه البيت الدارمي ( مو مسكين لعاش بغربه ، ولا مسكين لتيه دربه ، بس مسكين لظل محتار، وخله الناس لبعده تغلبه) . ولذلك لا نتفاجأ أذا سمعنا وعبر الأعلام والقنوات الفضائية الكثيرة والعديدة والتي نضع عليها أكثر من علامة أستفهام! وعبر منصات التواصل الأجتماعي وكل السوشيال ميديا مما يقدم من مستوى ومحتوى هابط ، يسيء للذوق العام بما يحتويه ويتضمنه من كلام بذيء والفاظ تخدش الحياء وعبارات تفتقد لأبسط مفاهيم القيم والمباديء والشرف ، وكذلك ما ينتشر عبر مواقع التواصل الأجتماعي وحتى من خلال بعض الفضائيات المغرضة من أحاديث وقصص ملفقة وغريبة يتحدث بها رجال دين ، تثير النعرات الطائفية والفتن والفرقة بين نسيج المجتمع!. الأخطر في الموضوع أن كل ذلك يحدث تحت مرأى ومسمع الدولة وأجهزتها الرقابية ، (( وحتى الحوزة العلمية المقدسة هي الأخرى ليست بعيدة عن سماع ورؤية ذلك فنصحت ووجهت مرات ومرات ومن خلال خطب الجمعة ولكن لا مجيب ولا من يسمع ، فصّمت أذانها عن سماع أي شيء وأغلقت بابها عن مقابلة أي مسؤول! ، بأعتبار أن الدولة هي المسؤولة عن ذلك!)). وكم هو محزن ومؤلم عندما ينفلت الأعلام فنيا ليقدم لنا وعبر أحدى فضائياته ، بضاعة رخيصة مبتذلة بحجة المظلومية وأنصاف الحق!! ، بضاعة تحمل كل معاني الأسفاف والسقوط الأخلاقي والقيمي بالكلمات والعبارات الخادشة للحياء والذوق العام وحتى بالأيماءات ويأتي على لسان فنانة وقعت في مشكلة أو كانت لها مشكلة في العمل وتطورالأمر ليصل الى القضاء! ، كل ذلك يحدث أمام أعين وسماع المشاهد، وتعرض وتشاهد بلا أدنى رقابة ومسائلة عن ذلك المحتوى والمضمون من الحديث ، وهي بالتالي تدخل بلا أستئذان الى البيوت ليشاهدها الأطفال والكبار والمراهقين من البنين والبنات!؟ . أن العتب كل العتب يقع على مقدمي تلك البرامج ومروجيها وكيف يسمحون بتقديم ذلك!. وبقدر ما نحن مع حرية الأعلام في الفكر والثقافة وحرية الكلمة الصادقة ومع حرية الصحافة والنقد البناء الذي يصب في خدمة الوطن والمجتمع ، فنحن وبنفس الوقت مع تشديد قبضة الدولة ومنع كل ما يسيء الى الذوق العام والأخلاق والقيم الأجتماعية! مهما كانت المبررات والحجج الواهية ، وبعيدا عن كذبة حرية الأعلام تلك الكذبة ، التي أستغلت من أجل تهديم المجتمع فكريا وثقافيا وأخلاقيا ودينيا! . أخيرا نقول : أن الأعلام المنفلت لا يقل خطرا عن السلاح المنفلت ان لم يكن أخطر منه!! ، وبالتالي كلاهما يكمل الآخر، في نخر البنية الأخلاقية للفرد والأنسان العراقي الذي يعيش أصلا في أجواء وحياة مضطربة من كل شيء وفي كل النواحي وبالتالي فأنه سيكون ضعيفا ومجبرا لمشاهدة ما يقدم من محتوى هابط في الكثير من القنوات الفضائية وعبر السوشيال ميديا. ولله الأمر من قبل ومن بعد.