23 ديسمبر، 2024 1:28 ص

هذا العنوان نستعيره من الكاتب المصري الكبير ( توفيق الحكيم ) في احد من كتبه القيمة العديدة و ان اختلف المضمون في مشهد الأنتفاضة الشعبية التي هزت اركان النظام الحاكم في العراق و جعلته يراجع حسابته من جديد بعد ان افترشت الجماهير الثائرة الشوارع و الطرقات و الساحات العامة في اعتصام سلمي مفتوح الى حين تحقيق المطالب المشروعة و في مقدمتها اقالة الحكومة الحالية و حل البرلمان و اجراء انتخابات مبكرة و نظام حكم رئاسي يحقق للجماهير الأنتخاب المباشر في رئاسة الوزراء و رئاسة الجمهورية و نادرآ ما تخطئ الجماهير في انتقاء الأصلح و الأقدر في قيادة الدولة و المجتمع .

لقد نجحت الأحزاب الدينية الحاكمة من تغييب الوعي الفكري عند الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي المتشبث و بقوة بالطقوس الدينية و المناسبات و الزيارات لمراقد الأئمة كتلك التي تحدث كل عام و بالأخص في مناسبة عاشوراء حيث تحي الجماهير الغفيرة تلك المناسبة بشكل عاطفي جياش بغض النظر عن تدين تلك الجموع من عدمه و التي كانت سلطات النظام السابق ( صدام حسين ) تضيق على المواطنيين احياء تلك الشعائر ليس من منطلق طائفي قط كما يدعي البعض انما خوفآ و توجسآ من التجمعات الكبيرة و التي كان النظام السابق يخشى من ان تتحول الى مسيرات و مظاهرات صاخبة و غاضبة تؤدي الى ما لا يحمد عقباه فكانت الأجواء في تلك المناسبات متوترة و متشنجة و قوات الأمن تجوب الشوارع و الأحياء و هي مدججة بالسلاح و التعابير الصارمة و الوجوه العابسة .

استغلت الأحزاب الدينية التي حكمت العراق بعد سقوط النظام السابق هذا الحرمان في اداء الشعائر الحسينية فقامت بتوفير كل الأمكانيات الكبيرة في تقديم الخدمات للزائرين و تسهيل امورهم و تأمين احتياجاتهم و توفير كل ما يمكن لتلك الزيارة المليونية من مستلزمات النجاح و الدوام و كانت الجماهير التواقة للزيارة و اداء المراسم قد استبشرت خيرآ حين فتح امامها الطريق الى ( كربلاء ) بكل حرية و ترحاب دون حواجز او عقبات فكانت تلك الجموع من الزائرين تتوافد و تتزايد و بشكل كبير عن السنين السابقة و كانت تحظى بكل العناية و الرعاية على طول الطرق الممتدة و من مختلف الأتجاهات صوب مدينة كربلاء .

لقد تمكنت هذه الأحزاب الدينية و بكل ما تملكه من نفاق و رياء و حنكة في التحايل من اقناع الناس في استحالة استتاب الأمن و تأمين انسيابية الزوار بكل يسر و سهولة لولا وجود هذه الأحزاب في سدة الحكم و كأن الأمر كله من احتلال العراق و اسقاط النظام السابق و الفوضى الخلاقة و غير الخلاقة التي أعقبته و كل تلك الحروب و النزاعات الداخلية فقط كانت من اجل ان تسير الجموع المؤمنة بكل حرية و احترام في طريق الزيارة و ان تمارس طقوسها العبادية و هي في اطمئنان و امان و هكذا توقع زعماء تلك الأحزاب و قادتها ان تدوم تلك الحالة و تستمر و هي تعول على ارتباط الشعب العراقي الوثيق و العاطفة الجياشة بالأئمة و الأولياء و الرجال الصالحين .

حين أفاق الشعب العراقي من تلك الغيبوبة العميقة و ذلك التنويم المغناطيسي الديني الذي كان يغط فيه و لسنوات عديدة كان البلد ( العراق ) في وضع مزري للغاية و في مستوى متدني الى مستوى الحضيض و في كل شيئ و كان كل شيئ في حطام و خراب و الفساد المالي و الأداري ينخر في مؤسسات الدولة و مرافقها و كانت مافيات الأحزاب الدينية و ميليشياتها رأس الحربة في هذا الفساد المستشري حتى اصبح لهذه الأحزاب جيوش خاصة بها و تحتاج هذه الجيوش الى السلاح و العتاد و الرواتب و كذلك صار لهذه الأحزاب قنوات تلفزيونية توظف العشرات و ربما المئات من الموظفين و صارت تملك العديد من المقرات و الأبنية و العقارات و كلها تمول من سيطرة الأحزاب الدينية على العديد من الأنشطة الأقتصادية للدولة العراقية و بشكل غير مشروع .

لقد طفح الكيل و لابد للمواطن ان يستعيد وعيه و رشده و لابد للوطن ان يكون حرآ و مستقلآ فعليآ لا قوليآ و كان لابد من وقف ( ايران ) من التدخل في الشأن العراقي الداخلي من خلال عملائها من تلك الأحزاب الأسلامية بشقيها الشيعي و حتى السني و بما ان الجماهير لا تملك السلاح و القوات العسكرية في مجابهة الأحزاب وميليشياتها المدججة بالسلاح و الأعلام و الحقد كان لابد من السلاح الأقوى و الأمضى فكانت التظاهرات السلمية الحاشدة التي ارعبت اركان الحكم و احزابه العميلة و من ثم تطورت الى الأعتصامات و الأضرابات السلمية و التي تهدف الى اسقاط الحكومة الحالية و انهاء تدخل الأحزاب الدينية في الحياة السياسية كونها كانت الداء المميت الذي اصاب الدولة العراقية فكان لابد من استئصال هذا الورم السرطاني الخبيث و هي الأحزاب الدينية العميلة .