23 ديسمبر، 2024 1:37 ص

عودة الطيور المهاجرة..

عودة الطيور المهاجرة..

في يوم من أيام الخريف الممطرة.. حيث أوراق الأشجار المتناثرة.. هنا وهناك.. وأصوات الرياح المهلهلة.. بين الموقد والنافذة.. أخذت مكاني.. ها هنا.. كعادتي.. أترقب.. قدوم الطيور المهاجرة.. أحتسي قهوتي المرة المفضلة.. طاولات وكراسي جد مرتبة.. في دقة متناهية.. تنتظر من يستوطنها.. فناجين تنتظر من يسكبها.. وجوه شاحبة بألوان الطيف ملطخة.. تتنظر من يغازلها.. لا حزن ولا فرح يعرفها.. لا ملامح عن غيرها تميزها.. لا موت حولها.. ولا حياة تناديها.. وجوه صعب تذكرها.. صعب نسيانها.. كمثيلاتها تبقى في الذاكرة معلقة.. نساء في مقتبل العمر فقدت نصفها.. قضت نحبها.. تندب حظها.. في “اللحظة الأخيرة”.. تنتظر “المركبة الأخيرة”.. في “المحطة الأخيرة”.. تناجي “فرصتها الأخيرة”.. بين السابعة صباحا والتاسعة ليلا.. سجائر مستوردة تحترق حسرة عليها.. علاقم محلية صنعت من أجلها.. قهقهات بدون سبب.. مدوية تملأ المكان.. تستنفر الفضول.. معلنة نهاية الفصول.. خطؤها الوحيد انها آمنت بالوعود.. باعت الأصول.. نالت الأفول..
عصفت الرياح الشمالية.. تذكرني.. بوعود قطعتها على نفسي.. عادني الحماس.. زارني شيطاني.. أخذني نحو المحظور.. سمعت صوتا هاتفا يناديني.. أخذت القلم بين أناملي.. أرسم وجهه المنحوت.. أرسم خريطة طريق لمساري.. أبحث عن دفء في روايتي.. أكتب قصيدة حب من نبع خيالي.. ألقيها على مسامع الحكام.. رسالة مني، أبعثها للسلطان.. تحكي صدق المشاعر والاحساس.. تحكي عودة الطيور المهاجرة للأوطان..
أنا “لم أحبك لأنك الأجمل أو الأرحب.. لم أعد لأنك الأكرم أو الأرحم.. لم أحبك لأنك الأغنى أو الاشرف.. لم أشتريك لأنك الأغلى أو الأرخص.. أحبك، لان حضنك لي هو الأنسب.. أنت لي الوطن الأفضل.. انتمائي لك.. هو الأعظم.. وحبي لك هو الأروع.. عشقي لك مهما طال.. لا يمل ولا يصدأ.. تجعلني أفرح كالأطفال.. أغضب كالأطفال.. أحلم كالأطفال.. أنطلق كالأطفال.. أشتاق إليك كالأطفال.. أبكي عليك كالأطفال.. أهجرك كالأطفال.. أعود إليك كالأطفال.. لو خيروني بينك وبين القمر.. لاخترت ضوءك أنت.. يا أغلى الأوطان.. اختارك حضنا لي.. في كل الأعمار.. لن أتوانى ولن أندم.. رغم الشدائد والمحن.. نملأ الكون فرحا بالانتصار.. من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.. نطفو فوق كل الأحزان والأحزاب.. فوق كل الحسابات والمعادلات.. نحطم كل المعتقدات و”المعتقلات”.. نتقاسم كل الامتيازات والممتلكات.. نعلنها حربا ضروسا.. ضد الكراهية والفساد.. بتسديد كرة رماها في الشباك.. رسالة حب من توقيع مهاجر أحب البلاد.. أغنية سلام.. عبرة لحكام البلاد..
نرقص حينما نحس بالشجن.. نحتج حينما نعتقد أن العود قد انكسر.. نركض فرحا تحت زخات المطر.. نصلي من أجلك.. كي تتقارب وجهات النظر.. حينما نرحل.. يغيب عنا القمر.. حينما نعود.. يغيب عنا الضجر.. نجري كالمجانين في بلاد المهجر.. نقسم بالله.. أنت لنا لا تليق.. شوقا ترانا.. رغما إليك نعود..
نلوم بعضنا ثم نفترق.. نهاجر معاتبين ثم نحن.. نغضب ونحزن.. كلما ساءت بك الأحوال.. نركض ونركض.. نسبق ظلنا.. نجعل الأنظار تلاحقنا.. نترك العناوين تشتاق إلينا.. نترك وراءنا تفاصيل أرهقتنا.. لحظات عشناها.. نهرب من ملاحقة الكوابيس لنا.. ننام تحت ضوء القناديل.. كي ننسى قصص السلاطين.. كانت ترعبنا.. نحلق عاليا كالنوارس.. تصبح كل الأوطان لنا عناوينا.. يحز في النفس أنه.. رغم شوقي وانتظاري.. أنت عن وفائي مازلت غافلا.. هي شعوب تحيا تتوق لها أوطانا.. انا لدي وطن لا أعرف له سبيلا.. حار لهيامي شعراء العصر.. لهذا العشق لم يجدوا له تفسيرا.. كل المراتب والألقاب.. كل الإغراءات والامتيازات.. في حضرتك أنسى لها الحضور.. كل الانتقادات والأحقاد في حضرتك.. أنسى بها الحروب.. حبي لك ليس رواية عشق.. أبطالها الصقور.. ليست لمثيلاتها في شيء تشبه.. حبي لك ليس قصيدة شعر.. أتعبتها البحور.. ليس قرارا لبنوده أمتثل.. حبي لك ليس اختزالا لقلب لحبك يخفق.. حبي لك جنون ما بعده جنون.. جعل لسان الكون بك ينطق.. جعل الخالق لحبي لك يفتخر..