9 أبريل، 2024 12:30 ص
Search
Close this search box.

عوار الأمم المتحدة والقانون الدولي

Facebook
Twitter
LinkedIn

الأمم المتحدة بشكلها الحالي استطالة لمشروع عصبة الأمم، والذي تم تأسيسه في العام 1920، في محاولة لدرء حرب عالمية ثانية مثل تلك الأولى التي تفنن فيها الأوربيون بتقتيل بعضهم أساساً وفي استغلال دماء أبناء المستعمرات المظلومين لأجل تعزيز سعار تلك الحرب العدمية، وهو ما فشلت فيه بشكل مطلق عصبة الأمم في تحقيقه بعد أن كان الذي كان من دمار شامل عمقاً وسطحاً على المستوى الكوني في الحرب العالمية الثانية؛ وهو ما يشي بعطب بنيوي في آلية تصميمها وأهدافها وآلية عملها التي لم تفلح في تحقيق الهدف الأساسي المناط بها القيام به إبان تأسيسها. وهو العطب البنيوي الذي استمر راسخاً عقب تحولها إلى الأمم المتحدة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وجوهر الخلل العضوي العميق في تكوين وآليات عمل الأمم المتحدة راهناً، يكمن في أنها لا تخضع فعلياً بأي شكل كان صغيراً أو كبيراً لمقررات الجمعية العامة التي يتمثل فيها عموم بلدان الكرة الأرضية، وإنما تعمل بالاستناد إلى آليات عمل مجلس الأمن الدولي الذي لا يخضع فعلياً لأي سلطة سوى سلطة الأقوياء والمنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وأعني هنا الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وهي الدول التي تمتلك حق النقض لأي مشروع قرار لا ينسجم مع مصالحها سواء كانت استراتيجية أو تكتيكية محضة. وهو ما يعني فعلياً تعطيل أي إمكانيات لعمل جمعي تقوده الأمم المتحدة بالاستناد إلى إرادة جميع الدول المنضوية في عدادها، تنظيماً وإدارة وتنسيقاً، يحتمل أن يفضي إلى نسق من العمل الكلياني على المستوى الكوني يمكن أن يفضي لتحسين مآلات حيوات بني البشر وظروفها الراهنة والمستقبلية.
وفيما يخص المؤسسات المنبثقة عن الأمم المتحدة، من قبيل اليونيسكو، ومجلس حقوق الإنسان، والأونروا، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها كثير فهي مؤسسات ينخرط في الجهود التي تنظمها الكثير من المجاهدين الأخلاقيين والمنورين الذين يحاولون الاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة القليلة لهم لأجل تحسين ظروف حياة البشر في غير بقعة من أرجاء الأرضين، على الرغم من معرفتهم المسبقة بمحدودية تأثير تلك الجهود لارتباطها العضوي وخضوعها بشكل مباشر لإرادة الدول الغنية نفسها، صاحبة الحل والعقد في مجلس الأمن، والتي دون تبرعاتها فإن مصير تلك المنظمات الأفول والفشل جراء إفلاسها المالي الحتمي في حال توقف تلك التبرعات؛ وهو ما كان مصير الكثير من برامج الأمم المتحدة التي لم ترق للأقوياء، فقاموا بوأدها عبر قطع الإمداد المادي عنها ببساطة. وتلك المعادلة يعرفها جميع العاملين في تلك المؤسسات، والمنخرطين في المشاريع التي تديرها، ولذلك لا يتوقع بزوغ أي نتائج جذرية من رحمها يحتمل أن تعكر توازن المستنقع الراكد الذي يهيمن فيه الأقوياء الأغنياء على مصائر ومآلات حيوات المظلومين المفقرين على المستوى الكوني، على الرغم من أهمية من ينتج عنها مهما كان ضئيلاً.
وفيما يتعلق بالقانون الدولي، وما يرتبط به من محكمة للجنايات الدولية، والتي يفترض بها نظرياً إدانة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وهو التوصيف الجرمي الذي ينطبق على كل أفعال طغاة ومستبدي وجلاوزة العالم العربي السابقين والحاليين ومن سوف يأتون من بعدهم من صلب و ترائب أنظمتهم الأمنية الفاسدة، وهو ما لم تستطع تلك المحكمة الدولية القيام بأي من جزئيات ذلك الواجب المناط بها، لأسباب عضوية تتعلق بآلية تكوينها البنيوي التي تشترط أن إحالة أي مجرم أو جرم بعينه إلى تلك المحكمة يجب أن يكون من مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، وهو الذي أشرنا إلى عوامل خلله وخوائه البنيوي من أي احتمالات للقيام بأي فعل مؤثر لا ينخرط في سياق تحقيق استدامة هيمنة الأقوياء الأثرياء على المستضعفين المظلومين في أرجاء الأرضين. وهو الواقع المأساوي الذي تجلى في أن الغالبية المطلقة من الجرائم والمجرمين الذين تحاكمهم محكمة الجنايات الدولية هم من المجرمين المارقين الذين لم يستشربوا أصول ونهج الاستبداد والإجرام بحق الإنسانية لمصلحة مجتمعات الأقوياء الأثرياء أنفسهم و أصحاب مفاتيح الحل و العقد فيها، والذي يشترط تقديم حصة الأسد من غنائم الاستبداد والحرب على المستضعفين والتغول على حيواتهم إلى أولي الأمر من الأقوياء الأثرياء أنفسهم سواء عبر شركاتهم العابرة للقارات أو عبر مفاقمة تخمة خزائن مصارفهم بأموالهم غير الشرعية، وشراء أسلحة وذخائر منهم لقتل المستضعفين الذين يتغولون على حاضرهم ومستقبلهم؛ وفضلوا بشكل ما العمل بشكل حر خارج شروط لعبة هيمنة الأقوياء على المستضعفين الكونية، وهو ما اقتضى من الأقوياء استخدام أدواتهم البيروقراطية الدولية الحصرية في تحويل أولئك «المجرمين الناشزين» إلى محكمة الجنايات الدولية، لتلقين كل «المجرمين الطَيِّعِين» درساً في أصول الالتزام بشروط اللعبة وتذكيرهم بمصائر من تخول لهم أنفسهم تناسي من هو السيد ومن هو العبد حتى لو كان طاغية مجلجلاً بين أبناء جلدته من مظلوميه ومفقريه ومقهوريه.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب