التساؤل الاكثر تداولا والمشوب بالحسرات هل من الممكن ان نتجاوز هذه الحقبة من زمن الخراب وان نعبر من تلك الضفة المتهالكة وقد اخذها الصدع في بنانها حتى وصل الى قواعدها وهل باستطاعتنا ان ننجو من طوفان قادم اصبح قاب قوسين أو ادنى من ان يجرفنا بامواجه الهوجاء المتلاطمة وهل سيُقدر لنا أن نبني سفينة كسفينة النبي نوح (ع ) ليُكتب لنا الخلاص ومن سيكون قائدها الذي ستخضع له جبابرة السلطة التي ببغيها اقحمتنا في مهالك هي علينا كارثية بينما يتنعمون هم في عليائهم ودواوينهم في ترف وغنى يحسبوها نعمة من الله بما توالى عليهم من ارث أو نسب أو زعامة والله عنهم وعن مسمياتهم لغني حميد , والله نحن في حيرة لابعدها حيرة فهل هجرتنا الشجاعة ولعبوا بالملك وكنا لهم صاغرون أم نحن من الطيبين وقد خاب الظن بهم فأوغلوا بنا مصائباً لم نعهدها وأكثروا بنا النواح والنواعي وكنا عنهم غافلين , ترى الى اين تأخذنا الدفة أألى بر الامان او الى مستنقع الفتنة الكبرى والحوب العظيم , لسنا ندري ولعلنا نريد ان لاندري وتلك هي المشكلة ياشعبي .
العوابر هي اخر المصطلحات المضافة الى القاموس السياسي الذي أطلقته مخرجات الدوائر والحلقات التي تدار من شخصيات قد تنامت عندها الخبرة السياسية لتصل الى حد الاحتراف في ابقاء عجلة تداور السلطة في متناولها وتحت سيطرتها وقد وصل بها طموحها الجامح والجشع المطلق الى تكوين قطاعات خاصة ترتبط بهيئات تعمل على حفظ امنها واستقرارها بأي وسيلة ومهما كان الثمن الذي عادة ما يكون تبعاته على شعب استكان لعصور طويلة , فأطلقوا تلك البدعة الاحترافية ” الكتلة العابرة ” في ظل اجواء سياسية محتدمة بصراعات وتحالفات هشة بعضها كان مجرد اسماء كتبت على ورق ثم رُكنت على الرغم من عظم العنوان والمسمى وسبب انهيار تلك التحالفات هو اهدافها التي لم تكن اهداف جامعة ومانعة بل كانت عبارة عن منافع تترابط في سوق الغنائم والنفوذ والتسلط ولم تكن الياتها واضحة تقترن بعمل المؤسسات والتنظيمات المهنية فهي لاتعتمد برامج ولا مسارات تطبيقة وبقيت في دائرة التنظير والروئ والارتجالية التي تعتمد التفرد والشخصنة ولم يبقى منها غير شعارات مستهلكة لازال غبارها عالق على من كان يطلقها , واغلب تلك التحالفات كانت وبكل امتياز أستئثارا واضحا للهيمنة على مقدرات الشعب وثرواته وترسيخ لواقع سياسي تسلطي تشترك به قيادات تختلف في مرجعياتها ومفاهيمها وايديولوجياتها الا انها تتفق وبكل قوة على المصالح العليا لما أسست من كيانات ومؤسسات استطاعت ان ترتبط بقوى مخفية لاتظهر على الواجهة ولكن تأثيرها بات واضحا في أبقاء تلك الصراعات مستدامة لئلا يبرز العراق كدولة محورية في الشرق الاوسط وهذا أصبح اتفاقا شبه معلن بين القوى اللاعبة الاساسية في المنطقة .
شخصية الفرد في الشعب العراقي وان كانت تختلف بخصوصياتها عن باقي الشعوب الا انها تمتلك حلما واقعيا وليس غريبا عن احلام الشعوب الاخرى التي استطاعت حكوماتها ان تهيأ البيئه المناسبة بعناصرها الاقتصادية والاجتماعية والامنية وأهمها الفكرية لكي يستطيع الفرد من تحقيق على الاقل مرحلة الضرورات لعيشه ككائن بشري يتمتع بمقومات الانسانية في حدودها الدنيا , والحكومات الرشيدة اخذت بالارتقاء لتجعل تلك الاحلام حقوقاً للفرد من واجبها ان تعمل على تطبيقه ضمن مخطط وبرنامج واضح متعانقاً مع تلك الروح الوطنية التي تمتلكها قيادات تلك الشعوب , بل وبعضها قد فاقت كل التصورات وبمنظور زمني متسارع لتصل بمواطنها الى عبور الاحلام المتواضعة المتعلقة بالسكن والعمل والخدمات المدنية والاجتماعية من خلال الحث والتحفيز والعمل ليأخذ الحلم صورة جماعية هدفها رسم صورة كبيرة وعظيمة يكون الوطن ايقونتها ومرتكزها التي تنطلق منه كل الاحلام وان كانت على مستوى الفرد الواحد , واستطاعت تلك الاحلام ان تحجب واقعها من كوابيس الموروثات والمعتقدات بمسمياتها الطائفية والعرقية والاثنية حيث أضمحل ذلك السواد المنبعث من تلك المفاهيم وما أدته من دمار وخراب على المستوى التطبيقي والفكري .
المواطن العراقي اليوم هو ضحية لواقع وخيار أليم فهو يعيش حبيسا بين حلمه البسيط وبين واقع معقد فلا واقعه يحتمل ولا حلمه يتحقق وظل يدور في صراعات فكرية وسياسية أنهت كل ما كان يأمل من حقوق منصوص عليها دستوريا لتصبح احلاما تبتعد تماماً عن واقعه المعاشي الذي يطمح اليه وبدلا من أن تاخذ الحكومات التي تسلطت بناصية تلك الحقوق أستطاعت أن تغرق تلك الاحلام بسواد لمفاهيم قد أسن خطابها وباتت كوابيس تجثم على صدور السذج والبسطاء والمغرر بهم والمنتفعين من محصلتها جراء مسببات كثيرة في مقدمتها الفشل والفساد والتخبط , وأصبحت الاغلبية العامة من الشعب تأن وتصرخ وتستيقظ مذعورة من كوابيس الليل الى كوابيس الواقع المرير الذي تعيشه , فبدلا من توفير سكن وفق المعايير الانسانية البسيطة أصبح الملايين في عشوائيات مستعمرة تقف حاجزا بوجه الاعمار والتوسع والتخطيط وبدلا من توفير فرص العمل بما يتناسب مع النمو الاقتصادي نرى البطالة قد تنامت لتصل الى ارقام غير مسبوقة وارتفعت معدلات الفقر والهجرة والنزوح والجريمة وتعاطي المخدرات وامراض اجتماعية خطيرة يصعب على المتصدين تفكيكها , وبدلا من تأسيس ثقافات واستراتيجيات منهجية واعية لتنمية العقول الفتية بعيدا عن الطائفية وأخواتها نرى هذا التداعي الفكري والسياسي لتأسيس كتل تعبر الطائفية وهي أول من ركبها ورعاها وبات من المستحيل مغادرتها حتى وان تبدل لباسها , ليس حبا بالمعتقدات ولكن حبا بالمنافع التي غنموها , وستزيدنا تلك العوابر ظلمة واغراقا في كوابيس عتمة قد يطول زمنها ولا نصحو منها وقد لا نرى النور بعدها وهي التي سوف تعجز من أن تعيد للفرد العراقي الحلم البسيط الذي قد رأى في يوم ما أن بامكانه أن يحققه على مسار الواقعية , , وعودة على تساؤل مصيري مفصلي هل
سيخنع الفرد العراقي تحت جيثوم كوابيسهم أم تراه سيصحو في يوم قريب ويعيد القراءات والصياغات ويزيل من فكره وعقله كل السواد الذي توالى عليه منذ عقود طويلة ليعرف تماما أن النور الحقيقي الذي عليه أن يبصره هو نور عراقي ناصع , ويصبح لزاما على كل من أغدقنا بالظلام أن لا يكابر وتأخذه العزة بالاثم فما أن يسطع ذلك النور فلن يقف شيئا في مواجهته وسيمضي العراقي قدما في تحقيق حلمه .