مرت المحافظات المحررة في عموم العراق بسنين عجاف خلال حقبة سيطرة تنظيم داعش عليها، وبعد انكساره وطرده لم تسلم من فكره وتوابعه، ومازالت حائرة تعاني من هذه التوابع.
اليوم بعد مرور أكثر من سبع سنوات على ما مرت به أم الربيعين، مازالت المخيمات تعج بعوائل تباينت أسباب بقائها فيها، بين النهي العشائري في مناطقهم الأصلية عن عودة عوائل تنظيم داعش وبين من تدمرت بيوتهم اثناء معارك التحرير.
وتقول احدى ربات البيوت من عوائل داعش القاطنين في احدى المخيمات بعد أن اعادتها الحكومة العراقية من مخيم الهول السوري الى احد مخيمات جنوب الموصل، إن العرف السائد حالياً في أغلب القرى ضمن المناطق المحررة، أنه أي عائلة من بقايا داعش عودتها الى منطقتها الاصلية مرهونة بموافقة أهالي القرية التي تسكنها، وتضيف السيدة الاربعينية، أن أهالي بعض القرى وافقوا على عودة بعض العوائل وأخرى مازالت ترفض عودة من تسبب بقتل احد افرادها خلال الحقبة المظلمة، وكما هو معروف لدى الجميع ان الكثير من العوائل تضروا من تنظيم داعش منهم من أعدم بعض شبابهم ومنهم من قتل التنظيم عوائلهم بالكامل.
وتسرد عجوز في السبعين من عمرها عن كيفية اللقاء الذي عقد في احدى نواحي جنوب الموصل وحضره مسؤولون من الحكومة المحلية ومختار القرية، ورجل حضر يمثل أهل الدم من الفاقدين لاحد افراد عوائلهم، وتصف العجوز أن أحدا من الحضور يقوم امامه بذكر اسم عائلة او احد النساء اللواتي انتمى ازواجهن أو ابنائهن لداعش، وينتظر الرد من صاحب القرار هذا في أن يعطي الموافقة عن باقي افراد القرية لعودتها أو بالرفض فتبقى هذه النساء داخل المخيمات إن رفض.
وتضيف العجوز أنه رفض اغلبية الأسماء ماعدا أسم طفل صغير كان دون العاشرة من عمره عند دخول داعش لقريتهم.
رجل ستيني يسرد هو الاخر أنه لجأ الى المخيم مع 16 من افراد عائلته بعد التحرير مباشرة بعد أن تهدم داره في منطقة الجزيرة جنوب الموصل، ومازال يقطن المخيم لعدم قدرته على إعادة بناء داره، وإعادة عائلته.
مسن أخر في الثمانين من عمره من محافظة ديالى حذفته الاقدار بعد أن سلك أولاده الثلاثة في طريق الظلام وبعد انهيار خرافتهم فقدوا، أو قتلوا، وأصبح هذا المسن مطلوباً عشائرياً وهرب لوحده الى المجهول وحط رحاله في مخيم الجدعة جنوبي الموصل منذ ست سنوات من دون أمل بالعودة الى ارضه وبيته.
تمر الأيام ثقيلة على من خلفهم هذا الفكر الضال، ويكبر أطفالُ في مخيمات لا تسلم منه، ونسمع عن منظمات دولية تتعامل معهم، وأخرى محلية تدعو الى دمجهم في المجتمع، وثالثة تدعوا الى ابقائهم منعزلين عن الأرض التي خانها أبنائهم، وباعوها بثمن بخس.
قد نحتاج الى عقود من الزمن واجيالاً تتبدل كي تنطفي نار الانتقام في قلوب من فقدوا أعز أحبابهم، وعقود أخرى حتى يتغير الحال وإن كان من المحال.
سفيان السليم