18 ديسمبر، 2024 11:03 م

عن ولادة الامام علي (ع) في الكعبة

عن ولادة الامام علي (ع) في الكعبة

كتب الي شاب من المغرب يدعي احمد بسؤال. ومضمونه: “هل يمكن تزويدي بالوثائق التي تشير إلى ولادة الإمام علي عليه السلام بالكعبة؟ فعقدت العزم عل كتابة مقال اجيبه بما لا يجعل للشك مكان, لقد ورد في التاريخ وفي الروايات أنّه عليه الصلاة والسلام قد ولد في جوف الكعبة المشرّفة في يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب ، وإنّ هذه فضيلة اختصّه اللّه بها لم تكن لأحد قبله ولا لأحد بعده ، وقد صرّح بذلك عدد كبير من العلماء، ورواة الأثر، ونظّمها الشعراء والأدباء ، وذلك مستفيض عند شيعة أهل البيت عليهم السلام كما أنّه مستفيض بل متواتر في كتب غير الشيعة.

 

 

·       نفوس منحرفة عن الحق

إلّا أنّ نفوس أعداء الامام علي (ع) وشأنيّة حاولت نفي هذه الفضيلة التي اختصّه اللّه تعالى بها، فحاولت تجاهل كلّ أقوال العلماء والمؤرّخين ورواة الحديث والأثر ، وضربها عرض الجدار حيث نجدهم وبكلّ جرأة ولا مبالاة يثبتون هذه الفضيلة لرجل آخر أيضاً غير عليّ عليه السلام، بل ويحاولون التشكيك في ما ثبت لعليّ عليه السّلام أيضاً، حتّى قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: «كثير من الشيعة يزعمون أنّه ولد في الكعبة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام » [ شرح النهج ۱ : ۱٤ ].

 

·      الزبيريون ومسخ التاريخ

نتسائل ما هو سند حديث ولادة حكيم بن حزام في جوف الكعبة؟ إنّ هذا الحديث المزعوم لم تثبت صحّة سنده, والواقع أنّ الزبير بن بكاز ومصعب بن عبدالله اللذين يرويان حديث ولادة حكيم بن حزام في جوف الكعبة، وأنّه لم يولد فيه سواه، وهما زبيري الهوى، وحكيم بن حزام هو ابن عمّ الزبير، وابن عمّ أولاده ، فهو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، والزبيريون ينتهون أيضاً إلى أسد بن عبدالغزى، ولم يسلم حكيم إلّا عامّ الفتح ، وهو من المؤلفة قلوبهم ، وكان يحتكر الطعام على عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهناك بعض النقول تقول إنّه كان عثمانياً متصلّباً . تلكّأ عن علي عليه السلام ولم يشهد شيئاً من حروبه.

إذن فمن الطبيعي أن يروي زبيروا الهوى: أنّه ولد في الكعبة، ولم يولد فيها سواه، وذلك على خلاف جميع الأخبار المتواترة، ومخالفةً لكلّ مَن نصّ على أنّه لم يولد فيها سوى أمير المؤمنين عليه السلام لا قبله ولا بعده: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) [ البقرة : ۱٥۹ ].

 

 

 

·      سند الحاكم في المستدرك

قال الحاكم في [ المستدرك ] : « تواثرت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه في جوف الكعبة », وصرّح بأنّه لم يولد فيها أحد سواه عدد من العلماء والمؤرّخين ، راجع : [ مستدرك الحاكم ۳  : ٤۸۳ ، وتلخيص للذهبي هامش نفس الصفحة ، ونور الأبصار : ۷٦ ،والفصول المهمة لابن الصباغ : ۱۲ ، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي : ٤۰۷ ـ ٤۰٦ ، ومناقب الإمام أمير المؤمنين لابن المغازلي : ۷ ]. وقد ذكر ولادته عليه السلام في الكعبة أيضاً :[  أسد الغابة ٤ : ۳۱ ، والسيرة الحلبية ۱ : ۱۳۹، ونزهة المجالس ۲ : ۲۰٤ ، وتذكرة الخواص : ۱۰ ، ونقله الأميني رحمة الله عليه في الغدير ٦ : ۲۲ـ ۳۸ عن عشرات المصادر من علماء السنّة وعلماء الإماميّة ] فليراجع .

 

·      رواية ابن شهر آشوب المازندراني

وقد اشار ابن شهر آشوب المازندراني (ت 588 هـ) الى طهارة الولادة، فقال: «فالولد الطاهر من الطاهر ولد في الموضع الطاهر، فاين توجد هذه الكرامة لغيره؟ فاشرف البقاع: الحرم، واشرف الحرم: المسجد، واشرف بقاع المسجد: الكعبة. ولم يولد مولود سواه. فالمولود فيها يكون في غاية الشرف، وليس المولود في سيد الايام: يوم الجمعة، في الشهر الحرام، في البيت الحرام سوى امير المؤمنين (ع).

 

 

 

·      شهرة الواقعة:

لم يتردد الكثير من المحققين بالجزم بأن ولادة امير المؤمنين (ع) في الكعبة من القضايا المشهورة في التأريخ الاسلامي التي اتفق عليها الفريقان. حيث لا يجد الباحث قط غُميزة في اسنادها، ولا طعناً في أصلها، ولا منتدحاً للكلام على اعتبارها وتظافر النقل لها وتواتر الاسانيد اليها…» ويثبت تلك الحقيقة شيخ المؤرخين علي بن الحسين المسعودي في «مروج الذهب» عند ذكره خلافة امير المؤمنين (ع)، ويجزم بها من غير تردّد فيقول: وكان مولده في الكعبة.

وفي كون الامير (ع) ولد في البيت امر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة… ولم يشتهر وضع غيره (ع) كما اشتهر وضعه، بل لم تتفق الكلمة الا عليه.

 

·      دلالات علمية

أولاً: اشتهار الولادة في الكعبة المشرفة شهرة تتجاوز كل الشكوك التي تثار غالباً حول موضوع من هذا القبيل. والمراد بالشهرة هنا، تواتر الرواية في كتب الفريقين على اقل التقادير.

 

ثانياً: لم يشتهر وضع غيره عليه السلام كما اشتهر وضعه, يعني تفنيد المزاعم التي زعمت بأن حكيم بن مزاحم، وُلد في الكعبة، كما سنشير اليه لاحقاً.

 

ثالثا: ان ما يصحب الولادة عادةً من خروج كيس المشيمة والدماء قد يؤدي الى نجاسة المكان الذي توضع فيه لامرأة. ولكن طهارة الكعبة تقتضي ان تكون ولادة علي (ع) طاهرة ايضاً من تلك النجاسات. ولم نقرأ في كتب التأريخ ولا حتى اشارة الى ان تلك الولادة قد تركت نجاسة في الكعبة المشرفة. والمتيقن ان الولادة الطاهرة لا تتم الا عن طريق لون من الوان التكريم الالهي للمولود.

ويؤيده الرواية المروية في «معاني الاخبار» على لسان فاطمة بنت اسد: «ان مريم بنت عمران اوحي اليها ان اخرجي من بيت المقدس فانه بيت عبادة ولا بيت ولادة، فاني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما اردت ان اخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة، سمّيه عليّاً فهو عليٌّ…» . فهي تعلم ان الكعبة بيت عبادة ايضاً لا بيت ولادة، ولكن طهارة الولادة وشأن المولود كانت مبرراً للوضع في بيت العبادة.

 

رابعا: ان مقارنة فاطمة بنت اسد نفسها بمريم بنت عمران في الوضع وفي مكان الولادة يكشف في طياته عن منـزلة المولود. والا، فلا يكون للمقارنة وجه اذا لم يكن للمقارَنين خط مشترك، كالنبوة والولاية مثلاً. وما بينهما من الكمال والتسديد وطبيعة الوظيفة السماوية ما يقوي ذلك. وقد كان ذلك واضحاً في نبوة عيسى بن مريم (ع)، وولاية علي بن ابي طالب (ع).