18 ديسمبر، 2024 11:20 م

عن وزارة الكهرباء -أجلّكم الله-

عن وزارة الكهرباء -أجلّكم الله-

لاريب أن الشخصيات التي تتالت على حكم العراق، ولاسيما في سني مابعد التحرر من عهد المرحوم أو المقبور أو الشهيد أو (مشعول الصفحة) فليسمّه من يشاء بما يشاء، هي شخصيات لاتمت للسياسة والكياسة والرئاسة بصلة، بل هي شخصيات أقرب إلى الخساسة والنخاسة حد النخاع، وليس كلامي هذا غريبا على الأغلب الأعم من العراقيين، كما أنه ليس تهما جزافا ولا إفكا ولا زورا، فشاهدي على هذا مثنى وثلاث ورباع… بل هم أكثر من 38 مليون شاهد.

فالذين تسنموا المناصب العليا في البلاد، نحوا منحى “فويلح”. و“فويلح” هذا شاب يقطن إحدى قرى محافظة واسط، كان قد ربّى صقرا منذ صغره آملا ان ينفعه في الصيد، حيث كما هو معروف لدى مربي الصقور، أن الصقر طائر يمتاز بالقدرة على الاستجابة لمربيه وأوامره، منها جلب الفريسة بعد اصطيادها. لكن الذي حدث مع “فويلح” ان صقره دأب على التقاط الأفاعي السامة من الفيافي والإلقاء بها حية عليه، وهو الذي لم يألُ جهدا في تربيته، ولم يضن عليه بغذاء وعلاج خلالها، فاعتصر قلبه شاكيا معاناته فيما يلقاه من صقره ببيت دارمي، ذامّا حظه العاثر معه في خيبة الظن والخذلان حيث قال:

صگر الأزامط بيه گطَّع إديّه

   ينگل حيايه الچول ويذب عليه

 وللمتتبع الذي لا يدرك كيفية انقضاء ليل العراقيين -فضلا عن نهارهم في صيفهم اللاهب، فإن متابعة بسيطة لتصريحات وزارة الكهرباء -أجلّكم الله- ووزيرها ووكلائه ومديريها العامين، تكفي للمتابع أن يستدل على عظم مشكلة التيار الكهربائي في العراق، وإن أراد الاستفهام أكثر عن حقيقة أكثر دقة، فليتابع الشكاوى والتظاهرات والتظلمات التي ترفع إلى مسؤولي هذه الوزارة -أجلّكم الله-.

 ولا يخفى أن الطاقة الكهربائية جانب توليه دول العالم اهتماما خاصا، إذ تعتمد عليه باقي مفاصل البلاد ومؤسساتها من دون استثناء، وبمراجعة السنين السبع عشرة الأخيرة، فإن المبالغ التي خصصت وصرفت في مجال قطاع الكهرباء، توحي بسرقات كبيرة يكشفها أي شخص بسيط، بمقارنة ساذجة بين ما مصروف وما منجز على أرض الواقع، كما أن الأرقام المهولة التي ضاعت هباءً منثورا، تدل على أن هناك شبكة من الأشخاص، تبدأ من داخل وزارة الكهرباء -أجلّكم الله- وتمتد الى آخرين خارجها، تتراوح أدوارهم بين مقاولين وسماسرة وعملاء، وسلسلة من المتواطئين في مراحل الموافقة على صرف تلك المبالغ، وقطعا لاتخلو ساحة الاتهام من المفتشين داخل هذه الوزارة -أجلّكم الله- وكذلك نواب داخل المجلس التشريعي والرقابي -أيضا أجلّكم الله-.

ولم يعد جديدا ولاغريبا ولامفاجئا للعراقيين، تصريح لوزير، أو إعلان لناطق أو متحدث، أو بيان لمسؤول داخل وزارة الكهرباء-أجلّكم الله- بمدى المصداقية التي ينطوي عليها كلامهم، فالعراقيون خبروا ولمسوا كثيرا من ألاعيب سياسيين اتخذوا من الساحة العراقية (سيرك) لإبراز مهاراتهم وخدعهم، التي يمررونها على المتفرجين السذج. من هذه البهلوانيات التصريحات التي تشبه الى حد كبير استعراض العضلات الزائفة، ومحاكاة الفأر زئير الأسد، كتلك التي تصدرها الوزارة -أجلّكم الله- كل مطلع فصلي الربيع والخريف بشأن استقرار التيار الكهربائي، وكأن جهودهم وخططهم وحسَّهم الوطني، هي التي أسفرت عن تحسن التيار الكهربائي في ذينك الفصلين، والحقيقة انها جاءت كما يقول مثلنا (عثرة بدفرة)، فالزيادة في عدد ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية، تُعزى إلى اعتدال درجة حرارة الجو، وهو السبب الأول والأخير والوحيد في ذلك التحسن.

إن تداعيات خدمات التيار الكهربائي خلال السنوات التي أعقبت 2003 والوعود العرقوبية لمسؤوليها، والسرقات والاختلاسات التريليونية، أفقدت المواطن العراقي ثقته بالوزارة -أجلّكم الله- وبمنتسبيها من الكبير الى الصغير وبالعكس (داير حبل). وقطعا وما لاشك فيه ان اختلاق المنجزات الوهمية، والمشاريع المزيفة والضحك على الذقون بتوفير التيار الكهربائي بفعل جهود مسؤوليها ومنتسبيها، يزيد من الهوة التي تفصل بين المواطن العراقي وبين وزارة الكهرباء -أجلّكم الله- هذه الوزارة التي وضعت توفير الخدمات للمواطن بالمرتبة الألف، حسب جدول أولويات النفع الشخصي والمردودات الحزبية والإقليمية والجيبية، ولها قصب السبق بين باقي المؤسسات التنفيذية في خذلان المواطن العراقي، وتركه حائرا في ظلمات نهاره فضلا عن ظلمات ليله الحالك، وعلى هذا فهي الصقر الذي لايشق له غبار في سماء العراق، والذي لايباريه طائر آخر من طيور وزاراتنا، ولكن، لسوء حظ العراقيين أنها تشبه الى حد كبير صگر فويلح.

إذ لو أحصينا ماقدمته هذه الوزارة -أجلّكم الله- من خدمات مالية إلى دول وجهات أجنبية، لن نقف عند رقم معين منظور، فالاتفاقات المبطنة والعقود الوهمية والتواطؤات، تفوح رائحتها للقاصي قبل الداني، وقطعا الضحية الوحيدة في هذا الجانب من الفساد هو المواطن العراقي المسكين لاغير، وبهذا ينطبق على ما تقدمه هذه الوزارة سيئة الصيت مثلنا القائل: “الثمر للغير والزبل عالخانچي”.

[email protected]