9 أبريل، 2024 7:22 ص
Search
Close this search box.

عن مكّة  المكرمة والحق ّالعراقي مرة أخرى

Facebook
Twitter
LinkedIn

– أسئلة برسم الإجابات الموضوعية –
حينما كتبت مقالتي السابقة عن عائدية مكة المكرمة للعراقيين بثبات ملك الأجداد لأحفادهم ،كنت واثقاً إن أحداً لايستطيع إنكار مضمونها أو مناقضته بدليل علمي أو تاريخي قاطع ،وإن الردود المتوقعة ستبقى تدور حول الموضوع ولن تغامر بالدخول إلى جوهره ، وهو ماحدث فعلاً ، إذ علّق أحد السعوديين بأن لأهل مكة الحقّ بحكم العراق لأن النبي والخلفاء الراشدين وغيرهم من الولاة والخلفاء حكموا العراق ، والردّ على ذلك بأن النبي محمد هو من نسل إسماعيل ابن النبي إبراهيم من أور العراقية ، وبالتالي فقريش كلها من النسل ذاته على مايفترض ، وإذا كان الخفاء الراشدون قد حكموا العراق مدة لاتزيد عن ثلاثة عقود ، فقد حكم خلفاء بني العباس من العراق ، العالم الإسلامي كله – بما فيها نجد والحجاز – مدّة تقارب خمسة قرون ، وكانت الدولة الإسلامية في ذروة مجدها وعزّتها ، وهؤلاء عندما اتخذوا بغداد وقبلها الكوفة عاصمة لهم ، كان ذلك بمثابة عودة إلى أرض أجدادهم إبراهيم وإسماعيل وليس لأنهم غرباء عليها، كذلك فإن الخلفاء الراشدين بل وقريش كلها، لاعلاقة لهم بآل سعود الذين اغتصبوا مكّة من ورثتها الشرعيين (آل الشريف حسين ) الذي استدعى العراقيون بإجماع طوائفهم ، ولده فيصل كأول ملك للعراق بعد الثورة العراقية الكبرى ، وذلك احتراماً لجده رسول الله ونسبه القرشي ، في وقت كان آل سعود ينكّلون به وبإسرته .
 وفي وقت نشر فيه آل سعود المذهب الوهابي الذي سيكون المرتكز الأشد تعصباً وانغلاقاً يستمد منه دعاة التكفير والمنظمات الإرهابية فتاواهم ومنطلقاتهم في القتل والإجرام المروع – كما فعل الخوارج الذين بقروا بطون الحوامل وذبحوا الأطفال –  كان العراقيون يتبنون أما مذهب آل بيت الرسول الكريم ، أو المذهب الحنفي الأكثر تسامحاً واعتدالاً ، وليس كمثل الوهابية التي يقول عنها المفكر المصري محمد عمارة ” ظل صوته غريباً عن أسماع الذين تجاوزوا طور البداوة التي نشأ في محيطها إمام الوهابية محمد بن عبد الوهاب ) أما قبور الصحابة الأوائل بما فيها الخلفاء الراشدين ،فقد أزيلت واندثرت عن المملكة السعودية وكذلك أسماؤهم ، فيما قبور الأئمة والأولياء الصالحين للسنّة والشيعة، مازلت مزدهرة في العراق وإن بُولغ في زيارتها والتبرك بها.
المسألة هنا لاتتعلق بإجراء مقارنة بين المذاهب وأيهما الأفضل من غيره ، فتلك موضوعة لم تؤد يوماً إلى نتيجة ، وما الخوض فيها سوى تضييع للوقت لاطائل منه ، لكن الموضوع المحدد هو إثارة قضية تكاد أن تمثل تحدياً لشعوب العالم  بتنوع ثقافاتها وقوانينها وحضاراتها ومعتقداتها،وهي تلك المتعلقة بعائدية الأرض ، سواء كانت مكاناً مقدساً دينياً ، أو متنازع عليها سياسياً ، هل هي لمن يستولي عليها احتلالاً ؟ أم لورثتها شرعاً ؟ فإن كانت الأولى ، فذلك يعني إن القوّة هي من يشرعن الحقّ ولو كان باطلاً ، وإن كانت الثانية ، فالحق لمن يطلبه ولو طال أمده ، فكيف اقتنع العالم بدعاوى إسرائيل بإرث تاريخي ذُكر في المقدّس ، ولا يرضى بدعاوى عراقية – إن أثيرت – ذُكرت كذلك في المقدس؟ خاصة إن التاريخ العراقي هو الأقدم في التاريخ البشري ،وعندما بنى النبي إبراهيم مكة في حوالي الألف الثالث ق/ م ، لم يكن هناك أي تاريخ ديني أو حضاري أو احتلالي قد ظهر قبلها وتحدث عنها ، كي يدعي أحد مطالبة بحقّ له في العراق ، أما تعميم المثال كما جاء في احد التعليقات ، في إن من حقّ الفرس الادعاء بالمدائن وتتبع أمريكا لبريطانيا والسودان لمصر وغيرها من الأمثلة ، فهي أحداث تاريخية قد يختلف بشأنها ،إذ إن الفرس لم يظهروا سوى في القرن السادس قبل الميلاد كمحتلين ، وكانت الحضارة  العراقية قد سبقتهم بثلاثة آلاف عام واحتلت تلك البلاد (مايعرف بإيران اليوم ) على أمتداد قرون طويلة، أما في بقية الأمثلة ، فقد كانت احتلالات أزيلت بالقوة المحلية أو الخارجية  لتحلّ قوة أخرى مكانها ، لكن ايّاً منها لم يُذكر في كتاب مقدّس ، بما فيها حقّ قريش في حكم مكة ، فالرسول الكريم بدأ دعوته في مكّة ،لكنها انتصرت وانتشرت في المدينة التي اتُخذت مقراً للدولة الإسلامية قبل انتقالها إلى دمشق ثم بغداد، وقبلها كانت سيادة  مكة تتنازعها القبائل القحطانية والعدنانية قبل أن تستقر لخزاعة وصوفة ثم يتنازل عنها أبو غبشان لقصي ابن كلاب جدّ قريش من كنانة – وهكذا .
ثم لماذا يقتنع العالم بتقسيم فلسطين بين وجود تاريخي للفلسطينيين ، وحقّ ديني للإسرائيليين ؟ ولايقتنع بما قد يثيره العراقيون  ؟  
لندع مايمكن أن يطرحه بعض العراقيين حول مكة جانباً ، ولننتقل بالمسألة على الشكل التالي : مكّة المكرمة هي مكان مقدس لجميع المسلمين ، فما الذي يمنع أن تكون هناك إدارة مشتركة للأماكن المقدسة  في مكة والمدينة المنورة تتشكلّ من البلدان الإسلامية – وليكن فيها ممثل واحد للعراق ينتدبه العراقيون جميعاً- ؟ لماذا ينبغي أن يُعين أمير لمكة من آل سعود وحدهم ؟ هل هناك أية مسوغات دينية أو قانونية أو شرعية تخولهم بذلك سوى احتلالهم لمكّة بالقوة وحدها ؟ وماذا لو جاءت قوة أخرى واستولت عليها منهم ؟ هل ستصبح ملكاً للقوة الجديدة ؟.
 كيف يدار الفاتيكان من قبل مجمع للكرادلة من جميع البلدان المسيحية ينتخب فيه منصب (البابا ) لرجل لايهم من أي بلد مسيحي هو؟ ولايصحّ ذلك عند المسلمين ؟  .
أما أطرف التعليقات ، فهو ذلك الذي يطالب بتحرير العراق من الاحتلال الإيراني ، وينسى إن العراق هو البلد العربي الأول الذي حرر بلده من أكبر احتلال في العصر الحديث ( الاحتلال الأمريكي ) فيما لايزال حكام السعودية يخضعون خضوعاً مطلقاً للإرادة الأمريكية كي لاتُسقط حكمهم ،أما النفوذ الإيراني في العراق ، فهو لايمشي سوى على بعض السياسيين أوالغارفين من إنائهم ، أما الشعب العراقي ذاته، فقد اشتهر عنه منذ ستة آلاف عام ومايزال، بأنه قوّي الشكيمة لايخضع لاحتلال ولا أن تُمسّ كرامته لأنه
 🙁 يحمل بطبعه إحساساً عميقاً بحقوقه الشخصية ، ويكره أي تجاوز عليها سواء أكان ملكاً أو رئيساً أو مواطناً من منزلته ، فلا عجب أن يكون السومريون أول من سنّ القوانين والشرائع-1)
فيما يصف أحد الحكماء ، العراق بقوله للخليفة عمر بن الخطاب:  (—- وسكنت الشجاعة العراق ، فقالت الفتنة وأنا معك ) أي الثورة الدائمة ضد الطغاة والمحتلين ، وقد أكدها قفل التاريخ وأبشع طغاته الحجاج بن يوسف بقوله ( يا أهل الشقاق والنفاق ) ولم يدرك لغبائه وغفلته إن قوله ذاك سيؤكد فيما بعد قول شاعرهم المتنبي: )إذا أتتك مذمتي من ناقص – فهي الشهادة لي بأني كامل ) والحجاج هو ذاته الذي أحرق مكة بالمنجنيق وعلقّ عبد الله بن الزبير على أبوابها  ، بل وقال عنه الرسول الكريم بأنه أشرّ الكذابين ، على ماجاء في قول  أسماء بنت أبي بكر الصديق : (قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من ثقيف كذابان، أحدهما أشرّ من الآخر )  وذلك حينما قالت له : أنت كاذب ، بعد وصفه لولدها عبد الله بأنه كافر ، كما استباح المدينة المنورة في يوم الحرة ، وكان ناقصاً بكل معنى وقيمة إلى درجة تخلى عنه حتى أسياده ،بل ووصفته إمرأته بأنه لايساوي أكثر من درهم (2).
الخلاصة إن المسألة لاتتعلق بإعلان حرب على أحد ولا بتهديد أحد ،  فالعراق اليوم يمدّ يده بالسلم وطلب الصادقة و الأمن مع الجميع ، رغم إن مملكة آل سعود لاتخفي تدخلّها في العراق ودعم العنف والإرهاب مالاً وأفراداً وفتاوى تكفيرية ، بل هي قضية فكرية تاريخية ينبغي أن تناقش على هذه الحيثية ، ولاشأن لها بالإعتبارات السياسية أو ماشابه.
(1) : نوح كريمر – السومريون –أحوالهم –  عاداتهم – تقاليدهم –
(2) : تقول الرواية : تزوج من أبنة المهلب بن أبي صفرة ، لكنها تطلقت منه لغلظته وسوء أخلاقه ، فخطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، فاشترطت أن يقود الحجاج ناقتها من العراق إلى الشام ،وفي الطريق رمتْ إلى الأرض ديناراً ذهبياً وقالت : ناولني ذلك الدرهم ياحجاج ، فناولها إياه قائلاً : لكنه دينار ياسيدتي ، فقالت : الحمد لله الذي عوضني الدرهم بدينار .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب