18 ديسمبر، 2024 6:01 م

عن محور الاعتدال ومحور الدوحة – طهران

عن محور الاعتدال ومحور الدوحة – طهران

كانت فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالنسبة للمشرق العربي فاصلا سياسيا هجينا سرعان ما تخلّص منه لتعود ذات التوازنات الإقليمية والدولية بثقلها وظلالها وفرزها الأصلي.

كانت مرحلة باراك أوباما بمثابة الحمل الكاذب الـذي يبشر بالمولـود السياسي، جميل التباشير والإرهاصات، من حيث هندسـة العلاقات مع مختلف عواصم المنطقة العربيّة.

ولكن سرعان ما تبيّن أنّها فترة عاجزة عن التأصيل والاستمرار في ظلّ التجمع الصناعي العسكري والنفطي، لينفتح العالم برمته على حقبة ترامبية سميناها على أعمدة صحيفة العرب أكثر من مرة بأنّها مرحلة بوش الثالث.

تعرف المنطقة العربية في المرحلة الراهنة، فصلا ثالثا من فصول إدارة جورج بوش الأب، تستردّ بمقتضاها الأدوار وتسترجع المحاور إلى كينونتها الأولى التي عرفتها خلال العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين.

فعلى الرغم من كافة التباينات السياسية والاستراتيجية والتقارب المصلحي بين عدد من الأقطار خلال مرحلة الفاصل الربيعي العربي، إلا أنّ خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمة الرياض واستتباعاته في الخليج العربي وبلاد الأناضول تؤشر إلى استدراك في الاصطفافات الإقليمية ستتبيّن بقوّة وجلاء ووضوح خلال الفترة القليلة القادمة.

تسترجع دولة قطر مكانتها ضمن محور “إيران- سوريا- حزب الله” على أساس التقارب مع طهران الذي تجلى من خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها أمير قطر تميم بن خليفة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، حيث شدّد تميم على المكانة الاستراتيجية والهامة لإيران في الشرق الأوسط.

من الواضح أنّ المكالمة الهاتفية بين الأمير تميم وحسن روحاني كان ظاهرها التهنئة بالاستحقاق الرئاسي، وباطنها تسجيل المسافة السياسية والاستراتيجية للدوحة حيال إعلان الرياض الذي اعتبر طهران راعية للإرهاب الميليشيويّ في المنطقة، واعتبر أيضا جماعة الإخوان المسلمين- مجسدة في حركة حماس الإسلامية- بالتنظيم الإرهابيّ.

صحيح أن حجم التباينات بين قطر وطهران حيال الوضع في سوريا، وخاصة في ما يتعلق بالموقف من النظام السوري ورأسه بشار الأسد واسع، لا سيّما وأن السياسة الخارجية القطرية وضعت مسألة إسقاط النظام ضمن أولوياتها الاستراتيجية طيلة السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية.

وصحيح أيضا أن الموقف من حزب الله وخاصة مشاركته في الحرب السورية عمّق من الهوّة السياسية والدبلوماسية بين طهران والدوحة، إلا أن أبواب طهران لم توصد أمام دوائر اتخاذ القرار في الدوحة، والعكس صحيح أيضا.

اليوم، وبمقتضى الحصار السياسي الخليجي والعربي ولو بدرجة أخفّ، تسعى الدوحة إلى استدرار موقعها السابق ضمن المحور الإيـراني، لـذا فقـد أوعـزت إلى القيـادة الحمساوية- مشكلة في إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية- بتضمين إيران كمحطة أساسية لزياراته الخارجيّة.

كما بالإمكان تلمّس هذا التوادد القطري نحو إيران عبر مراسيل الحبّ الحمساوية من خلال التصريح الأخير للقيادي محمود الزهار الذي أكّـد أنّ حمـاس تتعـامل مع الدول الإقليمية بمقتضى تفاعلهـا مع القضيـة الفلسطينية، وذكـر في السيـاق إيران بالاسم والرسم.

في بلاد الأناضول، يتحسّس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رقبته بعد اللقاء البارد الذي جمعه في واشنطن مع دونالد ترامب الذي أبرق للمقاتلين الأكراد في سوريا الاثنين 29 مايو الجاري دفعة جديدة من السلاح الخفيف والمتطوّر، والذي رفض بشكل صارم تسليم الداعية التركي عبدالله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير انقلاب صائفة العام 2016.

يؤكّد المراقبون للشأن التركي وللعلاقات التركية الأميركية أن لقاء ترامب أردوغان كان أبرد لقاء في تاريخ رؤساء البلدين، وكان أيضا أقصر اجتماع ثنائي حيث لم يتجاوز العشرين دقيقة.

إكراهات السياسة والاقتصاد، ستجعل الرئيس رجب طيب أردوغان يستعيد دور 2008 و2009 بشكل استحضاري قريب إلى المأساة الملهاة.

وكما رقص رجب طيب أردوغان على حبال القضية الفلسطينية وهو يبرم اتفاقات استراتيجية مع الكيان الصهيوني، وكما استمال طربا على أعاصير الجهاديين في سوريا قبل أن يعلن عليهم الحرب عندما استدارت شوكتهم حياله، سيتناسى سليل آل عثمان كل المدونة التصعيدية ضد إيران والحشد الشعبي وحزب الله والرئيس السوري بشارالأسد، وسينزل من أعلى الشجرة التي صعدها تلقاء نفس عنتريات زائفة وحسابات خاطئة.

في مقابل الصورة، يستحضر السياق العربي اليوم، استيلاد محور الاعتدال مشكلا في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة والمملكة الأردنية ومصر، الذي سبق وأن تم الإعلان عن تفاصيله وفلسفته إبان فترة 2005 و2006.

ولئن تدعّم في سياقنا الحالي بالفاعل البحريني، فإنّ مقاربته لن تنصبّ في مقارعة الدور الإيراني ووكلائه في المنطقة إضافة إلى محاربة الإرهاب بصفة عامة، بل سينسحب اليوم على السعي إلى تطويق الوجود الإيراني الرمزي والمادي انطلاقا من البيت الخليجيّ ذاته.

جـزء مـن التجـاذب الخليجي اليـوم، يرجع إلى عودة الاصطفافات السابقة والمحاور الإقليمية لما قبل حقبة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

استتباعات تحيين الاصطفافات ستكون كثيرة، وفي جغرافيات عديدة، انطلاقا من غزة ورام الله، إلى سوريا والعراق وليس انتهاء بليبيا ومنطقة المغرب العربي برمتها.إنه عصر بوش الثالث.