8 أبريل، 2024 11:35 م
Search
Close this search box.

عن شهداء المسيحية الجدد والملاذ الآمن الذي تحول الى ميدان للقتل

Facebook
Twitter
LinkedIn

بقلم جون ال الن وآينيس سان مارتن “كروكس دوت كوم”
اربيل-العراق، بكل المقاييس، يصح القول ان الطائفة المسيحية الاكثر تضررا في الشرق الاوسط هي الطائفة المسيحية في العراق، هذا البلد الذي تسبب غزو الولايات المتحدة له ربيع العام 2003 بأطلاق مارد الشر الطائفي من عقاله فيه، والذي اصبح اليوم ملاذا لتنظيم داعش الذي يحتل مساحات واسعة من العراق وسوريا.

اشار الاحصاء العام للسكان الذي اجري عام 1987 الى ان عدد المسيحيين في العراق كان يبلغ 1.4 مليون فرد، وهو الرقم الذي اذا ما صح فانه سيعني ان تلك الطائفة تمثل ثاني اكبر طوائف المسيحية في الشرق الاوسط بعد مصر. اما اليوم، فأن اساقفة العراق الكاثوليك يقولون انه لم يتبق هنالك اكثر من 200000 مسيحي في العراق اليوم.

شهر آب الماضي، استذكر المسيحيون العراقيون مرور عام قاتم على هجوم واحتلال داعش لمنطقة سهل نينوى شمالي العراق، ذلك الهجوم الذي انطلق يومي 6-7 من شهر آب العام الماضي 2014، والذي ترك الآلاف من المسيحيين وافرادا من الطائفة الايزيدية ما بين قتيل ومسبية. كما ان ذلك الهجوم تسبب بدفع اكثر من 120000 مسيحي للفرار اما نزوحا داخل العراق الى محافظات مثل كركوك واربيل، او الى مخيمات لجوء في دول اخرى مثل تركيا والاردن.

اثناء ذلك الهجوم، تعرضت الكنائس والاديرة الى التدمير، فضلا عن احراق مخطوطات مسيحية قديمة تعود الى مئات السنين، الى جانب مصرع المئات من المسيحيين الذين عادة ما قضوا بطرق واساليب بالغة الوحشية مثل قطع الرؤوس او الجلد حتى الموت، وحتى الصلب في بعض الحالات.

خلال المراحل السابقة التي شهدت اضطهادا ضدهم، التجأ العديد من المسيحيين الى منطقة سهل نينوى التي كانوا ينظرون لها على انها تمثل ملاذا آمنا لهم كونها تضم بقعا متميزة من المستوطنات المسيحية التقليدية. وقد وصف احد المسيحيين تلك الضربة النفسية القاصمة التي تعرض لها سكان مناطق السهل بعد ان تحول من ملاذ آمن الى ميدان للقتل, وصفه بمشهد اشبه بطفل تم اقتحام غرفته او غرفتها في احد اكثر المناطق التي كان يفترض بها ان تكون آمنة وحسب.

وقد وصلت قصص تلك الفظائع المروعة الى عناوين الاخبار العالمية بكل سرعة.

يعرف كانون اندرو وايت، وهو قس انجيلكاني اعتاد ان يقسّم وقته في السابق ما بين المملكة المتحدة والعراق، كان يعرف باسم “كاهن بغداد” كذلك. وقد رحل وايت عن البلاد الى غير رجعة عام 2014 بعد ان اصدرت اسقفية كانتربيري اوامرها له بذلك

تبعا للمخاطر الامنية وسياسة الكنيسة الرافضة لدفع الفدى مقابل اطلاق سراح المحتجزين.

شهر كانون الاول من العام الماضي، كشف وايت انه بعد رحيله، عمد تنظيم داعش الى اعدام 4 اطفال مسيحيين دون سن الـ15 لرفضهم الدخول في الاسلام. ويستذكر وايت عن ذلك الموقف قائلا “لقد جاء تنظيم داعش بهؤلاء الاطفال وقال لهم ان يلفظوا كلمات الشهادة التي تجعلهم من اتباع محمد”. واضاف كذلك “لكن الاطفال قالوا كلا. اننا نحب المسيح، ولطالما احببناه”.

وقال وايت “لقد جزوا رؤوسهم جزا، فكيف يمكن ان تستجيب لهذا الوضع يا ترى؟ انك لا تملك سوى البكاء”.

ينقل جورج مارلين، وهو مؤلف كتاب “اضطهاد المسيحيين في الشرق الاوسط”، فضلا عن كونه يرأس مجلس ادارة منظمة “كنيسة عند الحاجة” التي تعد جماعة انسانية كاثوليكية دولية تعنى بالدفاع عن المسيحيين المضطهدين، ينقل عن احد القساوسة المحليين قوله عن تأثير الوضع الراهن على المسيحيين الذين يرحلون الى المنافي انهم قد يديرون ظهرهم للعراق والشرق الاوسط الى الابد.

تجسد رؤى حسام البالغة من العمر 15 عاما هذا التوجه. فبحلول شهر كانون الاول 2014، كانت رؤى تعيش في “مول اربيل”، وهو مبنى لمركز تسوق تجاري غير مكتمل من 4 طوابق مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان شمالي العراق، والذي تحول الى مخيم للنازحين يؤوي بحدود 400 عائلة مسيحية فرت بعد هجوم تنظيم داعش العنيف على مناطقها.

قبل وقت ليس بطويل، كانت اربيل مدينة مزدهرة ومتنامية ومركزا تجاريا متوسعا، غير ان هذه المدينة باتت تضم اليوم الكثير من الخرائب. فخلف جدران الكنيسة وابواب المراكز الرياضية المهجورة، وضلال هياكل الابنية غير المكتملة، يعيش اكثر من 400000 نازح بانتظار تأكيد رحيلهم نحو وجهة نهائية غير معلومة قد يتطلب الامر سنوات لتحديدها.

فرت رؤى ووالدها حسام مع 3 من اشقائها من منزلهم الكائن في مدينة قرقوش التي تعد مدينة مسيحية الى حد كبير شهر آب من العام الماضي. ولا تزال رؤى تفكر في حلمها ان تصبح طبيبة وتستمر بتأدية واجباتها المدرسية بجهودها الذاتية عبر اخذ صور بجهاز هاتفها النقال لصفحات الكتب المدرسية التي يفترض بها ان تدرسها في المدرسة، تلك الكتب التي تدور بنسخ قليلة ما بين سكان المخيم من الطلاب مثلها.

وقد تحدثت رؤى عن حلمها ان تنتقل للحياة في استراليا التي تمكن بعض افراد عائلتها الاخرين من الانتقال اليها والبدء من جديد.

كما ان هنالك كذلك نرمين جميل علو، وهي مهندسة حاسوب شابة قتل والدها على يد مقاتلين اسلاميين متطرفين حينما كان عمرها 14 عاما، والتي تعلمت واتقنت لغة انكليزية ممتازة جراء احتكاكها بالجنود الاميركيين قبل انسحابهم من العراق. وتريد علو، كغيرها من المسيحيين العراقيين، تريد ان تقلع جذورها من هذا المكان كذلك.

تقول علو معلقة “لقد تركت كل شيء خلفي اصلا، فما الذي بقي لي يا ترى؟”.

وها هو الموقف وقد اصبح يائسا جدا بالنسبة لزعماء الطائفة الكاثوليكية في العراق، يائسا الى درجة ان رئيس اساقفة الكنيسة الكلدانية البطريارك لويس ساكو اصدر مرسوما كنسيا عاليا خريف العام 2014 طالب فيه القساوسة الذين فروا من البلاد من دون موافقة بالعودة اليها، او انه لن يتبق احد للكنيسة وادارة شؤون رعيتها هنا.

ان غالبية هؤلاء القساوسة، ومنهم 9 حصلوا على اللجوء في الولايات المتحدة، انما تحدوا مرسوم ساكو الكنسي ورفعوا امرهم الى البابا فرانسيس في الفاتيكان.

ومن بين هؤلاء، يقول الاب نويل جرجيس الذي يعيش في سان دييغو بالولايات المتحدة الان، يقول ان العودة الان الى العراق بالنسبة لراهب كاثوليكي انما تمثل انتحارا بالمعنى الحرفي. واضاف جرجيس معلقا “لو ان البابا فرانسيس امر بذلك، فأني كنت لامتثل لأمره. غير انني لا اعتقد انه سيقول لي اذهب واقتل نفسك!”.

ولربما ان لا شيء يختزل مأساة المسيحيين العراقيين ويأسهم اكثر من قساوسة يستعطفون البابا ان لا يرسلهم الى بلدهم مرة اخرى!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب