أن يُدرك العراقيون أنهم تحت المراقبة والتنصّت، فهذا أمر طبيعي.
وقد يسألك أحدهم “وما الجديد في ذلك”، بل قد تجد من يستهزئ منك ويقول “أنه شيء عادي!”.
نعم ذلك طبيعي في بلد منتهك السيادة والخصوصية، بينما يعيش العالم المضطرب شعوراً بإقتراب نشوب حرب شاملة قد يكون العراق طرفاً فيها، خصوصاً بعد الإعلان عن أكثر من 30 هدفاً داخل العراق يمكن إستهدافها من قبل إسرائيل في أي لحظة، وترجيحات بوجود” بنك أهداف عراقية” تسعى إسرائيل لإستهدافها.
يتناسى ساسة العراق ما كشفته صحيفة واشنطن بوست في عام 2021 عن تعرض هاتف الرئيس العراقي السابق برهم صالح وعدد من المسؤولين العراقيين ضمن قائمة تضم أكثر من ٥٠ ألف رقم أُختيرت بعناية من أجل التنصّت والمراقبة ضمن برنامج “بيغاسوس”.
نظام “بيغاسوس” للتجسس الذي أسسته شركة إسرائيلية عام 2011 في شمال تل أبيب يتيح بموجبه هذا البرنامج إختراق أجهزة الهاتف المحمول للوصول إلى الرسائل والصور وجهات الإتصال وحتى الإستماع إلى المكالمات والبريد الألكتروني وصولاً إلى الحياة الخاصة وغرف نوم المستهدفين وكأنها ألغام وضعت في أجهزة الهواتف الخلوية لأهداف مختارة بدقة تحددها متطلبات التجسس لكل من يُراد التجسس على خصوصياته، ويكفي بضغطة زر أن ترى حجم الدمار والفوضى التي تحدثها هذه التقنية، ليكون أي هدف أو بلد بأمنه الوطني وأسراره العسكرية ومستنداته السرية مكشوفة ومفضوحة وقابلة للإنفجار كقنبلة موقوتة تماماً كسيناريو تفجير أجهزة “البيجرز” في لبنان.
المفارقة إن هناك تقارير إستخبارية تحدثت عن إستهداف شخصيات عراقية مثل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ووزير الإتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي الذي كان مرشحاً لرئاسة الوزراء أحد ضحايا هذا البرنامج، بل أكثر من ذلك لتؤكد إن عملية تعقب حركة كل من أبي مهدي المهندس وقائد فيلق القدس قاسم سليماني تمت من خلال برنامج “بيغاسوس” لتنتهي بإغتيالهما بقصف جوي قرب مطار بغداد في مطلع عام 2020، كان بالطبع يخدم هذه العملية النوعية عملاء على الأرض، وهم ليسوا أناساً عاديين وإنما قريبين من مصادر المعلومات الحسّاسة.
في عام 2010 هاجمت إسرائيل من خلال عملية سيبرانية المنشآت النووية الإيرانية بما يعرف بعملية stuxnet التي أضعفت عمل أجهزة الطرد المركزي لفترة من الوقت قبل إكتشاف الإختراق.
لازلنا نعيش في زمن الأدعية والشعارات التي نعتقد إنها أسلحة فتاكة بمواجهة عدو شرس ومتغطرس يُسخّر كل أسلحته التكنولوجية والتطور العلمي لتحقيق غاياته العدوانية.
الأكيد إن البعض سيتّهمنا بتلك النظرة الإنهزامية، لكن الواقع وإستقراء النتائج يرسم صورة لضرورة الإعداد والتحصين التقني لصّد هجمات الأعداء التكنولوجية.
هي المعادلة التي يجب أن نستوعبها بأن الحرب أصبحت أسلحتها التكنولوجيا طالما نعيش في زمن العلم ومن لا يحصل على ذلك السلاح فهو خارج اللعبة، بالتأكيد يدرك الساسة في العراق إن قلقهم وخوفهم من بنك المعلومات التي تمتلكها إسرائيل عنهم وعن تحركاتهم وحتى عن حياتهم الخاصة جاء متاخراً، فأكثر من عقدين من حكم الإسلام السياسي لم يُبنى مصنعاً أو معملاً واحداً، وأُهمل التعليم، وجفّت الأرض من المياه حيث لم تعد تُزرع، وضاع أصحاب الشهادات العليا على أرصفة الشوارع بلا عمل، ونخر الفساد والطائفية مفاصل الدولة، وراحت المخدرات تغزو عقول شبابه، فهل ننتظر بعد ذلك نصراً على الأعداء؟.