18 ديسمبر، 2024 8:14 م

عن جارنا في محافظاتنا الشمالية

عن جارنا في محافظاتنا الشمالية

الجار، هذا الساكن بجنبنا، هو من أوصانا به نبينا فقال فيه: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”. وهو نفسه الذي حذرنا من إيذائه وجلب الشر له، في حديثه: “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه”. ولا أظنني أضيف معلومة جديدة على عرف أخلاقي وأدبي واجتماعي عريق في بلدنا، بل أني قصدت التذكير بما يبدر من رئيس إقليم كردستان العراق كاكه مسعود، المختلف بين نفاذ مدة ولايته وبين نفادها، إذ تعددت وتزايدت وتضاعفت أفعاله وأقواله فيما يخص الحكومة المركزية، والتي قطعا هو تابع الى أوامرها وسياساتها وما يصدر عنها من تعليمات، توجبه على اتباعها وتطبيقها، وبغير عنصر الطاعة والولاء للمركز، يكون كاكه مسعود قد خرج من مفاهيم الوطنية، وهو طبعا سيد العارفين بالوطن والولاء له، والوطنية والتحلي بها، وكيف لا يكون عارفا هذا وهو نجل الملا مصطفى بارزاني، هذا الرجل الغني عن التعريف بنشاطاته الوطنية والقومية لأهله وأبناء ملته وقوميته، طيلة أربعينيات القرن المنصرم وخمسينياته وستينياته وسبعينياته، كما أنه معروف بمقارعته الطغاة، ولاسيما صدام حسين حين كان نائبا لرئيس الجمهورية، وكذلك عند تسنمه منصب رئاستها، وتشهد له الأحداث أنه -ملا مصطفى- كان من أشد المعارضين لنظام صدام، ومن المفترض أن يتمم كاكه مسعود دور أبيه، إذ الإبن على سر أبيه كما عهدنا.
الغريب أن الأمر عند هذا الرجل يأخذ قالبا آخر من المفاهيم، أرى أنها تشط عن الوطنية، وتشذ عن المتعارف عليه بين أبناء الوطن الواحد مع اختلاف قومياتهم. فلو استرجعنا السياسات والتصرفات التي كانت ديدن (كاكه مسعود) منذ عام 2003 الى اليوم، لاتضح لنا أن أغلبها يعترض سياسة الحكومة المركزية، وينافي كثيرا من قوانين الدستور والاتفاقات المبرمة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، وبالتالي فهي لاتصب في مصلحة العملية السياسية للبلد برمته، وهذا ماحصل ولمسناه لمس اليد، ورأيناه بالعين المجردة، وأيقناه بالتجربة والبراهين على أرض الواقع.
فبدءًا كان للكتل الكردستانية التابعة لحزب كاكه مسعود، باع طويل وطويل جدا في عرقلة اجتماعات مجلس النواب، وذلك من خلال مقاطعتها جلسات البرلمان، وكذلك انتقاؤها قلاقل وخلافات، وإثارتها مشاكل إدارية ومالية مع الحكومة الاتحادية، في أوقات تمر فيها الحكومة والبلد بكامله بظرف اقتصادي وأمني خطير، كان ينبغي على مسعود وحزبه، أن يكون خلالها اليد اليمنى الضاربة للشرور المداهمة لأبناء بلده، وأخوانه في المسؤولية، وزملائه في إدارة شؤون البلد. ولاأظن أن العراقيين ينسون مااقترفه مسعود بحق الوطن الأم قبل خمسة أعوام، فقد سُجلت نقطة سوداء قاتمة في تاريخ هذا الرجل، تلك هي تحشيده قوات مسلحة من البيشمركة على طول الحدود مع المحافظات الجنوبية لإقليم كردستان العراق، هذا الإقليم المولود من رحم العراق، وقد فات مسعودنا أن الابن ان لم يكن بارا بأمه فهو عاق، ولا أظن أن صفة كهذه يسره ان تكون من سماته.
ومن الإساءة للجار أيضا، التصرف غير القانوني بالنفط العراقي المستخرج من حقول الإقليم، والأمر بتهريبه الى البحر عن طريق ميناء جيهان، من دون موافقة الحكومة الاتحادية، أو الاتفاق معها بخصوص تقاسم إيرادات النفط العراقي في المحافظات الشمالية الثلاث. ولن يقف الأمر عند كشف هذا التلاعب، بل تمادى في غيه مستمرا دون حياء بعملية تصدير النفط، تحت ذرائع ومسوغات غير منطقية، حيث قال أن إيرادات النفط ستودع في بنك تركي، وإنه سيستخدمه لتغطية جزء من رواتب موظفي الإقليم وتسيير شؤون المحافظات الثلاث.
فهل يجوز هذا ياكاكه وانت “الجار ذي القربى” ولست “الجار الجُنُب”؟ ولعلي أوفق إن ذكرت في حديثي عن الجار والجورة وقدسيتهما، أبياتا للشاعر الجاهلي مسكين الدارمي حين قال:
ناري ونار الجار واحدة     وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جارا لي أجاوره      ألا يكون لبيته ستر