ولد تشيخوف في القرن التاسع عشر( كانون الثاني 1860) , وفي القرن الحادي والعشرين ( كانون الثاني 2020) , احتفلت الاوساط الثقافية الروسية بمرور ( 160 ) سنة على ميلاده . ظهرت الكثير من الكتابات الجديدة (والافكار الجديدة طبعا ) حول تشيخوف بهذه المناسبة , ونحاول هنا ان نستعرض للقارئ العربي النقاط الاساسية في تلك الكتابات , التي تحمل طبعا آراء الباحثين الروس عن تشيخوف في القرن الحادي والعشرين , وهي آراء واجتهادات ذاتية , ولكنها – بالتأكيد – تستحق التأمّل , وتستحق ان يتعرّف عليها القارئ العربي , اذ ان تشيخوف هو واحد من هؤلاء الادباء الروس القريبين روحيّا من هذا القارئ , وبالتالي , فان كل شئ جديد عنه سيكون – بلا شك – طريفا وممتعا لهذا القارئ.
توقف باحث من هؤلاء عند موضوع ( الثلاثي الروسي العالمي للادباء الروس) , وأشار انهم كانوا في البداية هكذا – دستويفسكي الاول وتولستوي الثاني وتشيخوف الثالث , ولكن ترتيبهم قد تغيّر بمسيرة الحياة الفكرية , اذ اصبح تولستوي الاول وجاء دستويفسكي الثاني , و تشيخوف بقى في موقعه الثالث , ولكن , الثلاثي هذا , كما يراه هذا الباحث اصبح هكذا الان – تشيخوف الاول وتشيخوف الثاني وتشيخوف الثالث , اذ تراجع الاهتمام بتولستوي رغم ان روايته الملحمية ( الحرب والسلم ) لا زالت تحتفظ بمكانها المتميّز واهميتها الاستثنائية في الادب العالمي , وتراجع الاهتمام بدستويفسكي رغم انه لازال يحتفظ بمكانته المتميّزة في مجال تشابك او تعشيق الادب والفلسفة معا , اما تشيخوف , فلا يوجد مكان لبيع الكتب في العالم لا يحتوي على كتاب لتشيخوف , ولا يوجد مسرح في العالم لا يعرض مسرحياته ضمن نشاطاته الفنية , ولا يوجد مخرج في العالم لا يحلم ان يقدّم مسرحية من مسرحياته ( وقد تذكرت اسماء مثقفي العراق ومسارح العراق ومخرجي العراق في النصف الثاني من القرن العشرين فصاعدا مثل شاكر خصباك ونعيم بدوي وعبد الامير الورد وسامي عبد الحميد وصلاح القصب وغيرهم , وقلت بيني وبين نفسي – نعم , هذا كلام صحيح فعلا عن تشيخوف, وان هذا الامر لازال كذلك ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين رغم ان العراق جريح الان كما هو معروف ولا يزال ينزف دما مع الاسف الشديد) .
باحث آخر أشار الى ان تشيخوف عاش 44 سنة ليس الا , وانه توفي عام 1904 , اي انه رحل قبل تلك الاحداث الكبيرة و الهائلة التي حدثت في روسيا مثل الحرب الروسية – اليابانية , ثم ثورة 1905, ثم الحرب العالمية الاولى 1914, ثم ثورة اكتوبر1917 الاشتراكية , وانه لم يكتب عن كل ذلك طبعا, ولكن الروس الذين هربوا من روسيا بعد ثورة اكتوبر واصبحوا لاجئين , كانوا يعرضون وهم في الغرب مسرحية ( الاخوات / او الشقيقات الثلاث ) لتشيخوف , وهم يبكون ويرددون , كم تبدو الامور وكأنها من الماضي العتيق , و كم تبدو ايضا وكأنها تتحدّث عن الامس القريب ليس الا , اي ان اللاجئين الروس ( وهم صفوة المثقفين الروس آنذاك ) لم يجدوا في الادب الروسي غير تشيخوف ( الذي رحل قبل كل هذه الاحداث) كي يعبّر عن معاناتهم وحنينهم الخانق الى موسكو ( وقد تذكرت ان اللاجئين الروس أطلقوا على دار النشر التي نظمّوها في الغرب اسم – دار تشيخوف للنشر, والتي ساهمت بشكل كبير في عملية النشر العالمي للادب الروسي ودراساته باللغة الروسية , وقدّمت مصادر مهمة جدا في هذا المجال لازالت تمتلك اهميتها لحد الان , وقلت بيني وبين نفسي , ان اطلاق اسم تشيخوف على دار النشر هذه لا يمكن ان تكون عفوية ابدا ).
الباحث الثالث تحدّث عن العلاقة بين تشيخوف وبوشكين , وهو موضوع تناوله النقد الادبي الروسي بشكل او بآخر ( انظر مقالتنا بعنوان – بوشكين وتشيخوف ) , ولكن هذا الباحث أشار الى عنصر جديد في هذه العلاقة , اذ انه يرى , ان بوشكين هو الاديب الروسي الوحيد , الذي يمكن ان نسميه ( الكاتب الحضاري ) , الذي تكلّم عن الانسان كما يجب ان يكون , خارج نطاق مشاغله ومشاكله الاجتماعية اليومية , ولم يأت من بعده من أستمر بهذا الطرح , لا غوغول ولا تورغينيف ولا دستويفسكي ولا تولستوي , وان تشيخوف عاد بالادب الروسي الى تلك المسيرة البوشكينية ( ان صح التعبير) , اي الى الموضوعة الحضارية العامة . و يرى هذا الباحث , ان اهمية تشيخوف تكمن في انه يجسّد الاستمرار الحقيقي لخط بوشكين في الادب الروسي , الخط الذي انقطع في مسيرة الادب الروسي بعد وفاة بوشكين ( وقد تذكرت ما قاله تولستوي عن تشيخوف بعد وفاته , وهو حديث واسع ومنشور في كثير من المصادر الروسية , ولكني اريد التاكيد هنا على جملة واحدة قالها تولستوي عن تشيخوف في ذلك الحديث, اذ قال , ان تشيخوف فنان لا يمكن مقارنته بأحد , لانه خلق اشكالا جديدة في الادب , وانه في مجال التكنيك أعلى منيّ كثيرا , وانني اقول هذا متخليّا عن كل مظاهر التواضع الكاذب ) .
ان الحديث المتنوع في القرن الحادي والعشرين عن ابداع تشيخوف يعني , ان هذا الفنان يخترق فعلا حدود الزمان …