أشعر أنني بحاجة لأن أوثق بعض ما مررت به من تجارب في مجال الأعلام العلمي العراقي. ولكني أسرع فأوضح ما أقصده بالأعلام العلمي..بغية أزالة سوء للفهم مما قد يؤدي الى الألتباس.
فالوسائل الأعلامية من صحافة وأذاعة وتلفزة وشبكة عنكبوتية اليوم هي معروفة كوسائل أعلام للناس عن موضوع يغلب فيه السياسي على ما عداه من شوؤن الحياة. ولكن ماذا عن الشأن الثقافي؟ وكم في أعلامنا من شوؤن العلم تثقيفا وتنويرا للناس؟. وهكذا أذن أعرّف الأعلام العلمي بأنه المادة العلمية الخبرية أو التحليلية من طبية أو فلكية فيزيائية الى حياتية عامة تهتم بالشأن العلمي فتنبأ المتلقي وترشده حسب طبيعة المادة وأختصاص كاتبها.
وقد كانت البدايات الأولى لي في عام 1976 عندما بدأت الكتابة في المقالة الطبية وأنا حينذاك طالب طب في كلية طب بجامعة بغداد. وأذكر جيدا بدايات أول ملحق علمي في الصحافة العراقية الا وهو ملحق “طب وعلوم” لجريدة الجمهورية حينذاك، وقد كان يشرف عليه بهمة الصحفي المعروف داود الفرحان. وكان الفرحان صاحب طرافة في حديثه حتى أنه قال لي يوما وهو يدفع بمقالتي للنشر في الملحق الأسبوعي أن خطك واضح لا علاقة له بالأطباء فكيف ستصبح واحدا منهم!.
ثم أخذت الصحف العراقية حينذاك الأهتمام بالصفحات العلمية والطبية فكتب عدد لا بأس به من أهل العلم في العراق في شؤون العلم لعامة الناس. وأذكر هنا كتابات في مجال التراث الطبي للطبيب البيطري والروائي العراقي المبدع طه الشبيب كما أذكر كتابات المرحوم الأستاذ كمال السامرائي وأستاذ الطب النفسي المرحوم فخري الدباغ.
ولكنه الأعلام التلفزيوني الذي كان ولا يزال له الدور المشهود في التواصل مع الناس. وهكذا كانت أنطلاقة أول برنامج علمي عربي تلفزيوني من تلفزيون العراق في الستينات من القرن الماضي وعلى أيدي المرحوم الأستاذ كامل الدباغ، وأقصد به برنامج “العلم للجميع”.، فلقد بثت اول حلقة من برنامج العلم للجميع التلفزيوني في سنة 1960. وأستمر المرحوم الدباغ بأعداده وتقديمه لمدة تقرب من الخمسة وثلاثين عاما.وبثت أولى حلقات برنامج العلم في العمل في عام 1982 ليستمر اسبوعيا على مدى الأربع سنوات.وأذكر فيما أذكر أن الدباغ كان يحرص أن يبث برنامجه حيا على الهواء مباشرة وفي تمام التاسعة من مساء كل أربعاء.
وقد ألتقيت الدباغ وأنا في بدايات حياتي العملية الطبية، حيث كان الرجل مديرا عاما للرعاية العلمية ورئيس تحرير مجلة علمية جيدة تصدر عن دائرته حينذاك بأسم مجلة العلم والحياة والتي أستمر صدورها بشكل شهري منتظم على مدى عشر سنوات. فدار الحديث عن الحاجة لبرنامج علم ثان من تلفزيون بغداد أضافة الى البرنامج الأم “العلم للجميع” فكان أن ولد برنامج “العلم في العمل” التلفزيوني الذي أعددت مادته الطبية وقدمته بشكل دوري أسبوعي مع أخي المهندس الذي تولى أعداد وتقديم مادته التقنية بحرفية يحسد عليها.
ولاقى “العلم في العمل” حينذاك نجاحا ملحوظا، حتى أني لأذكر أن الروائي العراقي المعروف أحمد خلف وهو قد كان رئيس القسم الثقافي في التلفزيون حينذاك ظّل يشيد بالبرنامج ويفاخر أنه من أنتاج قسمه الثقافي. وكم كانت تلك الجلسات مفيدة ونحن في مقتبل التجربة الأعلامية وأذا بكامل الدباغ يسدي النصيحة ومؤيد البدري الوجه الأعلامي الرياضي المعروف يسأل موجّها عن طبيعة أختيار المادة الخبرية العلمية التلفزيونية. وعلي الطائي نائب القسم الثقافي يقرأ شعره بصوت جهور ” مقيد يا أملي كطائر خططّه طفل على جدار”..
ثم تواصلت المجلات العلمية العراقية للعامة من القرّاء وتنوعت فيها الكتابات وتعددت الأسماء التي تكتب.
ولا بد من الأشارة الى أنه كانت هناك وسائل أعلام أخرى تهتم بالمادة العلمية خبرا ومقالة تثقيفية. ومن ذلك أضافة لما ذكرت، مجلة ألف باء.. فقد خصصت صفحتين أسبوعيا للمقالة الطبية أو قل العيادة الطبية في منتصف الثمانينات. فقد كنت أستلم المئات من رسائل القراء شهريا تسأل عن حالة صحية معينة أو حتى مشكلة نفسية عزّ على صاحبها أن يبقيها محصورة في الصدور. ولا ننسى مبادرات الصحف العراقية الأخرى في الثمانينات أيضا في أنفتاحها على شؤون الأعلام العلمي، وجهود أهل القلم والصحافة حينذاك في جريدة الثورة. وأذكر من الأسماء مالك منصور وعلي عبد الحسين. كما أذكر الكاتب أمير الحلو وهو يفتح صفحات القسم الثقافي في جريدة القادسية حينذاك لمقالاتي حول القاموس العلمي الصادر عن دار ثقافة الأطفال. ولا أنسى تجربتي في الفيلم السينمائي العلمي العراقي الأول والمسمى أختراعات علمية لمخرجه المبدع بسام الوردي
أن التواصل مع شؤون العلم بأختصاصاته المختلفة أعلاميا يعد واجبا وضرورة للمجتمع المتقدم. ولعل توثيق التجربة الأعلامية العلمية العراقية يشكل الحافز للتفكير بأستراتيجية أعلامية جديدة تعطي المزيد من الأهتمام للعلم وشوؤنه بما يعود خيرا على المجتمع ويرفع من شأن الأنسان في عصر العلم والتفوق التقني الهائل.