أرجوك ، لاتقُل لي ان ضِباع الارض ليست من خلق الله . لاأوافقك في ذلك . ألضبع ، حيوان ، كسائر الحيوانات، ولكن الرب لم يكن لديه الوقت الكافي لكيما يُضفي عليه مسحه من الجمال . ولذلك فهو قَميء الشكل والمظهر . وهذا ليس مهماً إلى حد ما. المهم ان خِصال هذا الحيوان تتنافر مع أبسط قواعد الانسانيه وهي الأنانيه المفرطه واللاحِس الإنساني . مشكلة ألضبع الاولى أنه ينسى أنه من خلق الله ، وهذه معضله منهجيه . تراه بتصرفاته يحاول ، أحياناً خِفيةً وأحيانا على الملأ ان يُغافل ويتدلسّ ويَستمرأ الكذب ، بل وببساطة وخفة الغَجَر يمد يده الى جيوب الاخرين ، وكأن شيئاً لم يكن ولم يحدث . هو على إستعداد دائم لأن يكون في أفضل مظهر وشكل ، يقدّم لك إبتسامه بطقم أسنان بيضاء تنم عن صفاء جوهر . هو أيضاً سوف يلح بالسؤال عن أحوالك وصحتك وكإنها بالنسبه إليه الاهم والمهم . هو لايكتفي بذلك ، بل سوف تتلقى منه حزمه من التمنيات وسيخبرك انه بالامس ، بالامس بالضبط، قَسَماً
عَظَماً، لم يخلد الى النوم لانه كان يفكر فيك .
بالامس ، إكتشفت ان ثمة حيوات ( من كلمة حياة ) اخرى تتشارك وهذا الضبع بذات الخصال والصفات ، وهذا مما سمح لي ان أعرف انها من نفس الجينات ، التي يهتم علم الهندسه الوراثيه بدراستها . أحكي لك مارأيته . هولندا ، والاصح مملكة الاراضي المنخفضه ، وطني الثاني التي أسكنها وأتنفس هوائها ، ذات جمال نافِر ومُتَغَنِج ، لم يبخل الرب في ان يضخ فيها مالديه من كنوز الوداعه والطيبه والوجه الحسن ، جَوَهّا ليس بحاجه إلى مكيف واحد طيلة السنه ، وهي لهذا غير معرضه لمظاهرات ضد إنقطاع التيار الكهربائي ، كما يحدث هذه الايام لأهلنا
في البصره أو الناصريه ! . هي ، أي هولندا ، لديها ، يالِلعَجَبْ القدره على ان تمنح محبيها وزائريها دفقات حب ، تستطيل لكيما تتحول إلى شحنه فيزيائيه من طاقه وتفاؤل وحِنيّه وتعمق فلسفي وروحي ومادي في فهم اللّذه ، كما يحلو للهولنديين ان يتلاعبوا بلفظها كل يوم ، بل وكل ساعه . أرجوك ، لاتتوغّل بعيداً خلف رؤياك . بالنسبه للهولندي فإن العمل لذّه ، والراحه لذّه والإبتسامه الرائقه التي لاتفارق رجالهم و ( نسوانهم ) لذّه هي الاخرى ، وولادة يوم جديد لذّه ، وبالطبع فإن تلك الاشياء الاخرى ،التي سرحتَ أنت للتو بها أيضاً لذّه ، بل لذّه مضاعفه .تسأل الهولندي أو الهولنديه عن أحواله أو عن أحوالها ، الجواب أنا مُلتذ، أو مُلتذّه ! . تفاؤل وإنسيابيه وخفة ظل . لايفهم كلمة يجب، يُفضِّل عليها القول أنه يتعين علي أو عليك القيام بكذا وكذا ، مشفوعةً دائماً بكلمة رجاءً ولطفاً . سوف يكون من حسن حظك ان تنسى حظك العاثر سابقاً عندما تختلط مع الهولنديين ليس من باب وكوّة المساعده الإجتماعيه ، بل على قدم المساواة معهم من خلال العمل ، والعمل فقط . أي ان تضحى عضواً فاعلاً ومشاركاً في المجتمع .
الند بالند، لاأكثر ولكن ليس أقل . تَجاهَل الذي يقول لك ان ثمة تمييز عنصري وأثني وعرقي ضد الاجانب ، وما إلى ذلك . الذي يقول لك هذا ، إسألهُ مباشرة وبدون توريه : هل تعمل ؟ هل حاولت جدياً ان تعمل ، هل تعلمت اللغه الهولنديه ؟ سوف تتلقى الجواب بالنفي ! . أعرف واحداً من العراقيين ، يحمل شهادة الدكتوراه ، نعم الدكتوراه في القانون ، شاب في وجاهة العمر في حينها ، صورّ نفسهُ مُختلاً عقلياً ومنفصم الشخصيه لكي لايعمل ، ولكيما يحولوه إلى المساعده الاجتماعيه . لم أقرأ هذا في الصحف الصفراء . لا ، هو بذاته الذي حكى لي قصته . صَدّقه
الهولنديون وتوفّق في مسعاه ، وهو الان ومنذ سنين معتاد على إنتظار فَرِحْ للإشعار الشهري لتحويل المساعده ” قل الصَدقَه” الاجتماعيه على حسابه . هو مايزال فرحان ، فرحان ، بل ومُغتبط ، والابتسامه تعلو مقلتيه . دَوامَهُ اليومي غربلة القنوات الفضائيه العربيه ومن ثم وعند القيلوله الدخول الى غرفة الدردشه الاجتماعيه ، مُقدِماً نفسهُ على الدوام بكلمة ألدكتور قبل أن يعرفك بإسمه . لوذَعَه شامِيّه ؟ لا ، أنا أُسميها خُبل ووضاعه وصفاقه ونذاله وخساسة ذِمّه ودُنس سجيه . ألضِباع ، بالمناسبه كالناموس تماماً ، يتشابهان وهذا النوع من البشر
في ذات الطباع من حيث الارتزاق على حساب الاخرين . ماعلينا ، نعود إلى موضوعنا لأسوق لك مثلاً آخر وأرجو صبرك عليّ قليلاً . هولندا ، أيضاً بلد القنوات المائيه . الماء في كل مكان . ثمةّ قناة صغيره بجوارنا ، وفي أوقات الفراغ يحلو لي ان آخذ بقايا الخبز لإطعام الطيور المائيه . هكذا فعلت قبل يومين وشرعت بإلقاء الخبز إليها .
كان ثمة سته أو سبعه من هذه البطات ، لكني لاحظت شيئاً غريباً وهو ان بط ذكر حاول وبكل إستماته ان يستحوذ له ولرفيقته على كل الخبز وحرمان الاخرين من أية كِسره . تجده مُستنفراً بكل مايملك من غطرسة القوه لمنع الاخرين من بني جنسه من الاقتراب الى جهة الخبز . في حساب الربح والخساره ، كانت وجبة الخبز هذه تكفي لعشر بطات . ذكر البط هذا كان يكفيه ولرفيقته نصف الخبز . كفايه وأكثر . لا ، تجده كالمنشار يلهف الرايح والجاي ، المسموح والممنوع . ماهي الفلسفه في ذلك ؟ في القرآن الكريم تستوقفني آيه غايه في الروعه الفلسفيه تقول” وَنَفسٍ وما سَواهّا ألهَمَها فِجُورَها وتَقْواها ” . النقيض وضده . فلسفه روحانيه ، ربّانيه متكامله . الفجور والتقوى هنا لمعنى محدد ، وهي أيضاً في علم التفسير وكذلك في علم المنطق تُستخدم للقياس ، بمعنى الايحاء بالشيء ونقيضه : المأمول والميئوس ، الحرام والحلال وهلمجرا . وعليك فقط ان تُقايس . هكذا حال بعض بني البشر من ضِباع الارض ، الذي يرى ضالته في عدم الإكتفاء بمافي جيبه بل يتطاول على جيوب الاخرين ، أياً كانوا ، ويعتبرها شطاره وحذاقه وفهلوه على طريقة طيب الذكر توفيق الذقن ، غير آبه بِأَيةِ مقاييس إنسانيه أو دينيه أو أخلاقيه ، توارثتها البشريه أباً عن جد . لِمَ ؟…. وَلِماذا ؟ ألا تباً وتباً لهذه التجاره البائِرَه ( ما يَصّحْ غير الصحيح ، وما يبقى في الوادي غير الحجاره ) قالها الاديب الجزائري الراحل ألطاهر وطّار .