اكتب هذه السطور بمناسبة يوم اللغة العربية العالمي , الذي تحتفل به منظمة اليونسكو سنويا في 18 كانون الاول / ديسمبر , هذه اللغة التي لم نشعر بجماليتها وعظمتها وتميّزها في يفاعتنا . المرة الاولى في حياتي , التي شعرت بذلك حدثت قبل نصف قرن بالتمام والكمال , عندما كنت عام 1960 طالبا في الصف الاول بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو , حيث كانت الاستاذة موراتوفا ( لازلت لحد الان اتذكر لقبها ) تلقي علينا محاضرة في القاعة الكبرى بالكليّة في مادة ( مدخل في علم اللغة ) , وقالت – توجد كلمات مشتركة في كل لغات العالم , مثل كلمة ( سوتسياليزم ) و ( كومونيزم ) , فقلت لها باعلى صوتي – لكن باللغة العربية ليست هكذا , فتوجهت نحوي طبعا انظار الاستاذة المحاضرة وكل طلبة الكورس الاول قاطبة , وسألتني الاستاذة باندهاش – وكيف تسمّون تلك الكلمتين بالعربية ؟ فاجبتها رأسا – سوتسياليزم الاشتراكية وكومونيزم الشيوعية , فقالت بعد لحظة صمت – سأدقق تلك المعلومة في مصادرنا . تذكرت هذه الحادثة الطريفة والفريدة في مسيرة حياتي الدراسية عندما كنت اتحدث مرة مع مجموعة من الزملاء الروس في مركز الدراسات العراقية – الروسية بجامعة فارونيش الحكومية عن لعبة ( الفوتبول ) , اذ قال احدهم , ان هذه الكلمة مشتركة بكل لغات العالم , فاخبرته وانا ابتسم , اننا لا نسميها فوتبول بل – كرة القدم ( وشرحت له تلك التسمية حرفيّا !) , وسألني متعجبا – وهل الناس يفهمون ذلك ام يجب استخدام كلمة فوتبول ؟ فاوضحت له , ان كلمة فوتبول غير مفهومة للناس الاعتياديين , وحدث نفس رد الفعل ذاك عنده وعند الزملاء الآخرين طبعا, كما حدث آنذاك عند استاذة علم اللغة بجامعة موسكو , وانهالت عليّ اسئلة هؤلاء الزملاء عندها , حول تسميات الالعاب الاخرى بالعربية , مثل الباسكتبول و الفاليبول والهاندبول ( الخاندبول بالروسية ) , وأنا اجيب عن كل اسئلتهم مبتسما ( وبرهاوة !!!) , وهم ينظرون اليّ مندهشين و متعجبين , وحكيت لهم بعدئذ قصتي مع كلمتي (السوتسياليزم) و(الكومونيزم) واستاذة مادة (مدخل في علم اللغة ) بجامعة موسكو .
لكن ألطف ما حصل لي في هذا المجال هو حديثي مع جارتي الروسية , والتي ادردش معها غالبا عندما نلتقي صباحا في الممر او قرب العمارة بعض الاحيان , اذ قالت لي مرة , انها حضّرت أمس طعاما لذيذا جدا باضافة قليلا من الكركم اليه ( بالروسية – كوركوما , وهي كلمة مؤنثة ) , وان هذه الاضافة جعلت الطعام بنكهة خاصة , وسألتني – هل تعرفون في العراق ذلك ؟ فضحكت أنا وقلت لها , طبعا نعرفه , فسألتني – وماذا تسمونه بالعربية , فقلت لها مثلما تسمونه بالروسية , فاجابت – ربما انكم اخذتم التسمية من الروسية , قلت لها ضاحكا, ان اللغة العربية أقدم من اللغة الروسية , وربما انتم أخذتم التسمية من عندنا , فضحكت وقالت , الكلمة غير روسية حتما , و على الاغلب انها جاءت الينا من الهند , ولكن يجب طبعا ان ندقق الموضوع في القواميس المتخصصة . بعد هذه الدردشة مع جارتي عدت انا الى القاموس الايتومولوجي (اصل الكلمات او علم التأثيل ) الروسي الموجود في مكتبتي الشخصية , ولكني لم أجد كلمة ( كركم ) في ذلك القاموس الوجيز , فاضطررت ان ابحث عن أصلها في القاموس الكبير , فوجدت ان هذه الكلمة دخلت الى الروسية عن طريق اللغة اللاتينية , وان اصلها عربي ( ويعطي الكلمة بالعربية كركم مع حركاتها ) الا انه يضع علامة استفهام بعد ذلك ويشير الى عدم معرفة الاصل قبل العربية , وتذكرت عندها , ان عالم الآثار العراقي طه باقر كتب في احدى مؤلفاته , ان هذه الكلمة موجودة في اللغات القديمة لوادي الرافدين , الا اني لم استطع – مع الاسف الشديد – الرجوع الى مؤلفات طه باقر لتدقيق هذه المسألة .
تحية لمنظمة اليونسكو , التي حدّدت يوما عالميا خاصا للاحتفال بلغتنا العربية , وهي خطوة حضارية و علميّة جديرة بها , وتحية خاصة للغتنا العربية الجميلة , التي قال لي عنها مرة أحد كبار أساتذتي العلماء المتخصصين في اللغات – ان اللغة العربية هي الثروة الاساسية الكبرى للعرب ولكل الناطقين بها …..