70 عاما على اقامة العلاقات العراقية – الروسية
نتناول في هذه الحلقة من سلسلة مقالاتنا حول بعض العراقيين في موسكو حادثة وقعت في اروقة السفارة العراقية بموسكو عندما كان فاضل صلفيج سفيرا للعراق في روسيا الاتحادية . تبدأ هذه الحكاية عندما اقترحت على السفير العراقي في موسكو عام 2011 الاستاذ فايق فريق عبد العزيز نيروه يي فكرة اعداد كتيب بعنوان ( سفراء العراق في موسكو من عبد الوهاب محمود الى عباس خلف ) , وهي الفترة المحصورة من عام 1959, عندما تم تعيين عبد الوهاب محمود – اول سفير في موسكو للجمهورية العراقية ولغاية عام 2003 عندما كان الدكتور عباس خلف سفيرا لجمهورية العراق آنذاك , حيث انتهت تلك الفترة من تاريخ العراق نتيجة كل الوقائع المعروفة والتغيرات الهائلة التي حدثت في ذلك العام . لم يكن اختياري لهذين الاسمين من سفراء العراق متعمدا ابدا , اذ انهما فعلا كانا في الواقع هكذا , فعبد الوهاب محمود كان اول سفير للعراق وعباس خلف كان آخر سفير للعراق في موسكو ضمن تلك الفترة الزمنية المحددة , و لكن الحديث عن هذين الاسمين معا والفروقات الكبيرة والجذرية – و بعمق – بينهما هو بالطبع حديث ذو شجون , كما يقولون , ويبين بوضوح الخط البياني لمسيرة العراق المعاصر بلا شك وما آلت اليه الامور منذ 14 تموز 1958 ولغاية 2003 , ولكن ليس هذا هدف هذه المقالة لا من قريب ولا من بعيد ابدا , لهذا ارجع الى الحديث عن المقترح المذكور, و أود ان اشير عندها الى ترحيب السفير بمقترحي ذاك , وقد طلبت منه ان يسمح لي بالعمل للاعداد لهذا الكتيب في ارجاء السفارة واروقتها قبل كل شئ , اذ ان الاوليات والمصادر كلها توجد في السفارة من اوامر ادارية وكتب رسمية
ومراسلات وسجلات ووثائق ووقائع وذكريات …الخ , وقد وافق السيد السفير – وبكل سرور – على ذلك , وكخطوة اولى لتنفيذ ذلك المشروع ذهبت مع بعض العاملين في السفارة ( وقسم منهم كانوا طلبتي يوما – ما في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ) لالقاء نظرة على الصور المعلقة على جدار خاص داخل السفارة لكل السفراء العراقيين اثناء تقديمهم لاوراق الاعتماد الى الجانب السوفيتي و الروسي , وهي صور تاريخية فعلا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى , اذ نرى فيها السفراء العراقيين وهم في حلٌة رسمية مهيبة ويقدمون اوراق اعتمادهم الى رئيس الدولة الروسية او من ينوب عنه , او يجلسون بتنسيق جميل في جلسة معدة سلفا في قصور الكرملين يصورونها للتاريخ , وتحت كل صورة من تلك الصور توجد شروحات تفصيلية تتحدث عن تاريخ تلك الصورة واسماء الحاضرين فيها من رؤساء روسيا الاتحادية او الاتحاد السوفيتي في حينها واسماء السفراء العراقيين …الخ هذه المعلومات التوثيقية التاريخية الطريفة والتي اصبحت – بمرور الزمن – نادرة جدا وتاريخية فعلا , وعلى وفق تلك التواريخ المثبتة تحت تلك الصور يمكن تحديد فترة عمل كل سفير من هؤلاء السفراء , واكتشفنا ان هناك فترة تاريخية باكملها مفقودة في مسيرة العلاقات الدبلوماسية بين العراق وروسيا, وان هناك نقصا في عدد السفراء العراقيين , فحكى لنا ج.ح. ( وهو احد طلبتي القدامى في قسم اللغة الروسية ) و احد قدامى العاملين في السفارة وفي وزارة الخارجية بالطبع , قصة تلك الفترة المفقودة , اذ انه كان موجودا ضمن العاملين في السفارة آنذاك , وترتبط تلك الفترة بعمل السفير مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي , والذي كان وزيرا للاقتصاد وللخارجية ثم تم ابعاده وتعيينه سفيرا نتيجة صراعات وخلافات لا يمكن في اطار هذه المقالة تناولها , ثم تم اتهامه بمؤامرة ضد النظام و من ثم ,تم اعدامه في بغداد. وقد تبين ان المسؤول الامني في السفارة العراقية آنذاك قد كتب الى السفير فاضل صلفيج تقريرا قال فيه , انه من غير الصحيح ان تبقى صورة ذلك السفيرمعلقة على جدار السفارة و قد تم أعدامه بتهمة الخيانة والمؤامرة في بغداد , وعليه فانه من
الضرورة ان ترفع هذه الصورة من الجدار وان يجري تدميرها , فوافق السفير صلفيج على ذلك التقريررأسا دون اي نقاش او تفكير وأصدر امرا عاجلا بعقد اجتماع لكل العاملين في السفارة عند ذلك الجدار حيث توجد تلك الصور , و في ذلك الاجتماع الغريب وغير الاعتيادي رفع السفير شخصيا من الجدار تلك الصورة امام هذا الحشد من الموظفين وبشكل استعراضي ورماها بقوة وعنف مع اطارها الجميل وزجاجها على الارض وسحقها بقدميه وسط صمت وذهول المحيطين به وهو يعلن ان هذا الشخص خائن ومجرم ومتآمر ولا مكان لصورته ضمن هذه المجموعة من صور السفراء , ولم يأخذ السفير فاضل صلفيج بنظر الاعتبار طبعا اي اهمية لتلك الصورة التاريخية التي تشير الى مرحلة محددة من التاريخ في مسيرة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والعراق بغض النظر عن الافراد الذين كانوا يمارسون واجباتهم الوظيفية ليس الا , ولم يستطع ان يعترض احد بالطبع من هؤلاء الموظفين والعاملين الذين كانوا يقفون حوله على هذه التصرفات الفجٌة الرعناء وغير اللائقة اصلا لهذا الشخص الذي كان يجب عليه كسفير في دولة اجنبية ان يتحلى بالدبلوماسية والتعقل والحكمة والتصرف اللائق اخلاقيا واحترام التاريخ باعتباره رأس الدائرة التي تمثٌل العراق ودبلوماسيته امام العالم . لقد استمعنا بحزن و أسى وخجل الى وقائع هذه القصة , وعلق البعض عليها قائلا ان هذه التصرفات كانت من سمات هذا الرجل الفظ الذي لا يصلح ان يكون سفيرا ابدا, وتذكر البعض الآخر ما جرى في محاكمات تلك الشخصيات التي كانت على رأس السلطة آنذاك والتي عرضت على شاشات التلفاز العراقي في حينها, اذ اشار احدهم الى ان فاضل صلفيج ( الذي جاء مرة كشاهد في جلسة احدى تلك المحاكمات ) وقد تحدث المتهم آنذاك عن فاضل صلفيج قائلا انه كان يتميز بعدم الذكاء , ومحدودية التفكيرجدا , وعدم القدرة على العمل السليم والمنطقي , وان النظام اعطاه كل الفرص – باعتباره قريبا لاوساط الرئيس – كي يتقدم ولكنه لم يستطع حتى ان يثبت شخصيته نتيجة تلك الصفات المحدودة جدا
التي كان يتميز بها , رغم انه كان في فترة ما حتى رئيسا لجهاز المخابرات العامة في العراق .
بعد هذا الحديث الغريب والمحزن والكوميدي في آن واحد طرح أحد الحاضرين سؤالا محددا , يتعلق بالتاريخ ومتطلباته وهو – كيف يمكن اعادة تسلسل صور السفراء العراقيين حسب تواريخ عملهم في السفارة العراقية في موسكو بغض النظر عن كل هذه التفاصيل السياسية المؤلمة التي مرٌ بها العراق ؟ فاجابه المتحدث قائلا , انهم فكروا بمفاتحة الخارجية الروسية بتزويدهم بصورة اخرى لتقديم اوراق اعتماد السفير مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي , ولكن هذه المفاتحة تحتاج الى تبريرات منطقية , ومن الصعب على السفارة ان تشرح كل هذه التفصيلات كما حدثت في الواقع , ولكن السفارة وجدت الحل الملائم لتلك المسألة , اذ وصلت الى السفارة موظفة جديدة هي ابنة المرحوم مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي ,وتبين انها تمتلك صورة من تقديم اوراق اعتماد والدها الى الرئيس الروسي , وهكذا عادت الان تلك الصورة التاريخية الى الجدارالخاص بها في السفارة العراقية بموسكو.