18 ديسمبر، 2024 9:02 م

عن اي عصر يتحدث حسن العلوي ؟

عن اي عصر يتحدث حسن العلوي ؟

لست معنيا في هذا المقال بالحديث الفكاهي (للشيخ الصغير ) عن الكرد وظهورالامام المهدي ، وقد اعود الى الرد على هذا ( الشيخ ) ان تأكد لي انه صاح لا يهذي .
ما يهمني في هذا المقال هو ما جاء في ردّ السيد حسن العلوي الذي تصفه بعض الكتابات بالمفكر العراقي ، على حديث الشيخ المذكور وقوله ((أنا قلت في وقت سابق ان الكرد يرى الحكومة في حياته ثلاث مرات، عندما يبلغ الثامنة عشرة ويسجل ضمن صفوف الخدمة العسكرية، وعندما تجبى منه ضريبة العشر باعتباره فلاحا، والثالثة عندما تداهمه الشرطة لاعتقاله ، وغير ذلك فالكردي لا يرى الحكومة))! .
 لم اعرف عن اي زمن يتحدث السيد العلوي ؟ ما اعرفه انه اساء الى الكرد ، وان لم يقصد ذلك ، اكثر من اساءة الشيخ الصغير .
لقد اظهر العلوي الكرد للقراء وكأنه شعب يعيش ايام القرون الوسطى لا علاقة له بالسلطة والحكومة والنظام والقوانين ، وانه يعيش داخل قوقعة محبوسا فيه لا يعلم ما يجري حوله ، وكل همّه ان لا يساق الى الجندية ولا يدفع الضرائب ويتجنب رؤية الشرطة .  لقد صوّر العلوي الكرد كمجموعة مسكينة لا حول لها ولا قوة ، لا تضر ولا تنفع ، ولذلك أدان الحكومات التي لجأت لقتل ( هؤلاء البشر الطيبين المسالمين الغافلين عن مجريات الامور، هؤلاء البشر الذين لا يهتمون بامور الحكم والسلطة وتقاسم الثروة  ) . كان يمكن هضم الطعن الذي وجهه العلوي الى الكرد ، لو انه أوضح ان بعض الكرد في الارياف النائية وفي اوائل القرن الماضي ، لم يكن يرون موظفي الحكومة الا نادرا ، مثلهم مثل العرب في الاهوار ،وكان ممكنا فهم تعاطفه مع الكرد لو انه افصح عن حقيقة ان الحكومة التي انشئت في ظل ولاية الفقيه لا تريد ان ترى الكرد الاّ لغرض تجنيدهم او استيفاء الضرائب منهم ، ولكنه عمّم قوله على الكرد جميعا وبدل ان يلوم الحكومات الغريبة على اهمالها الكرد اتهمهم بالتخلف الحضاري، وقد يظن الغريب ان الكرد لا زالوا يعيشون في مجاهل افريقيا او غاباتها الاستوائية،وفي مجتمع مغلق لا نظام فيه ولا قانون ولا شرطة ولا حكومة . لقد نقل العلوي هذا القول محرّفا عن الكاتب التركي اسماعيل بشكجي وهو يشير الى اهمال تقديم الخدمات لبعض مناطق كردستان ، ونسبها لنفسه .
نحن لا نعرف شيئا يذكر عن تاريخ الكرد قبل الاسلام ، لكن المؤكد انهم كانوا يعيشون على ارضهم كردستان قبل الميلاد بقرون عديدة ، وانهم اذاقوا جيش (زينفون اليوناني ) مرارة الهزيمة عندما مرّ مع جنوده العشرة آلاف ، عبر اراضيهم في مضيق (زاخو)، في رحلة العودة الى بلادهم بعد ان فتك بهم احد ملوك الفرس عام 401 قبل الميلاد . وقولنا لا نعرف الكثير عن الحياة الكردية قبل الاسلام ينطبق على العرب ايضا ، فكل ما كتب عن العصر الجاهلي وسوق عكاظ وعنترة وامرؤ القيس والمعلقات ، يعدّ هراء في نظر عميد الادب العربي المرحوم طه حسين .
ونعرف عن الكرد انهم دخلوا الاسلام كغيرهم من شعوب الشرق مثل الفرس والترك والتركمان والاذريين وشعوب القفقاس ، وكان لهم علمائهم وفضلائهم ومؤرخوهم وقادتهم العسكرية ، وقاد احد الكرد الجيش العباسي وهو ابو مسلم الخراساني وقضى على الدولة الاموية .
 وعندما انشغل الحكام العرب باللهو والتجارة ومعاشرة الجواري والغلمان ، واهملوا امور الدين والدنيا ولم يقدروا على ممارسة امور الحكم طمع الصليبيون في القضاء على الدين الاسلامي واحتلال ممالك المسلمين ، فظهر قائد من بين هؤلاء ( المساكين ) وهو صلاح الدين الايوبي ، فقاد جيش المسلمين من الكرد والترك حصرا ، وقضى على الصليبيين واسترد منهم ( القدس الشريف) والحق الهزيمة بعدد من ملوك اوروبا ، وهناك استشهد العدد الكثير من الكرد وقادتهم ، وادعو السيد العلوي الى مراجعة التاريخ وقبور الشهداء في فلسطين في ذلك الوقت للتعرف على جنسية المدفونين هناك ، واذا عثر على اي دور للعرب في مقاومة الصليبيين او في ادارة حكومات المسلمين حينذاك ،ارجو ان يذكرني به .
بعد انحسار الغزو الصليبي ونشوء الدولة العثمانية ، كانت للكرد حكوماتهم واماراتهم وثقافتهم ، وما اتعس حياتهم هو مهاجمة الشاه الصفوي اسماعيل على ممالكهم ومحاولته فرض مذهب التشيع عليهم واعتقال امرائهم ، مما اجبر الكرد على عقد التحالف مع العثمانيين والدخول معا في معركة ( جالديران) عام 1514 م والتي اندحر فيها الشاه الصفوي اندحارا شنيعا ، ثم معركة( قوج حصار) عند اطراف ماردين عام 1516م والتي قادها الباشا العثماني ( بيكلي محمد ) والقائد الكردي (مولانا ادريس البدليسي وابنه) وانتهت بتحرير كردستان باجمعها من الحكم الصفوي ، وعادت الحكومات الكردية الى اصحابها الكرد .
وفي اعقاب وفاة الشاه اسماعيل عام 1524م ، قاد كردي اخر هو ذوالفقار الكردي محمد) جيوشه من جنوب كردستان وقضى على حاكم الصفويين في بغداد واستلم حكومتها . وكانت للكرد حكوماتهم ، حتى اواخر العهد العثماني ، في ( بدليس ودياربكر ووان وحسنكيف والجزيرة وآميدي ورواندوز والسليمانية وشهرزور واردلان وغيرها ).
عندما استلم السلطان محمد خان الثالث مقاليد الامبراطورية العثمانية عام 1594م ، كتب له وزير المالية ( الدفتردار) شرحا بالممالك العثمانية وبيّن له انه توجد الى جانب السناجق العثمانية ، عشر حكومات كردية في ولايات دياربكر ووان وبغداد وان((امراءها لا تقبل عزلا أو نصبا ، يتملكها اصحابها ، يتولاها الابن بعد الاب ولا تعطى لاحد من الخارج … لا يدخلها محرر الولاية ولا تحصى … ويرجع كل حاصلها الى حاكمها )) . ولم اجد في شرح الوزير ذكرا لحكومة عربية .
وعندما حاولت الدولة العثمانية فرض الحكم المركزي قاوم الكرد وارادوا الاحتفاظ بحكوماتهم . فاعلن امير رواندوز استقلاله ، وبعده شكل امير الجزيرة بدرخان باشا حكومة كردستان الشاملة في كردستان المركزية ودامت حتى عام 1847م ، هذه الحكومة يقول عنها الكاتب الارمني سفرستيان ((ان المذنب ما كان ليجد مكانا له تحت سقف حكومة بدرخان ،  وان الرشوة والتحيّز والمحسوبية  التي غالبا ما كانت تفسد اسباب العدل لم يعد لها وجود )) .
ومثل هذه الحكومات كثيرة لا يتسع المقال للاشارة اليها .
 فاين هذا كله من قول العلوي ( الكردي لا يرى الحكومة في حياته الا ثلاث مرات) .
واذا كان السيد العلوي يتحدث عن الكرد في زمن نشوء الحكومات العربية في اعقاب الحرب العالمية الاولى ، فاوّد ان ابيّن له ان الكرد تفاعلوا مع الاحداث وقاد الشيخ محمود الحفيد جيشا كرديا واشتبك مع الغزاة البريطانيين في معركة الشعيبة بالقرب من البصرة ثم عاد وشكل حكومته في السليمانية واعلن عن نفسه ملكا على كردستان . في حين انضم شريف مكة الى معسكر اعداء الخلافة الاسلامية مقابل (80) صفيحة من الذهب، وجرّد اتباعه نساء الموظفين الترك من ملابسهن واجبرهن على الاختفاء في رمال الصحراء العراقية استحياءا وحسب رواية الباحث علي الوردي .
ويدرك العلوي ان الكرد لم يتركوا امور الحكم ليستفرد بها العرب في العراق بعد ان الحق الانكليز جزء من كردستان بالدولة التي استحدثت اكراما لاولاد حليفهم الشريف حسين ، فكانت الوزارات العراقية الملكية تضم في معظم الاحيان وزراء كرد ، وكان الكرد يشغلون وظائف عالية ومنهم قضاة ومتصرفون ومدراء عامون  وقادة جيش ، ومنهم الفريق بكر صدقي الذي قاد اول انقلاب عسكري في العراق عام 1936 . ودافع الكرد عن حقوقهم وابوا الخضوع والانزواء فاقاموا ثورات ومنها حركة الشيخ احمد البارزاني عام 1932م وحركة بارزان عام 1943-1944 والتي كانت احدى نتائجها اعدام اربعة ضباط كرد عام 1948 وعلى عهد رئيس الوزراء الشيعي (صالح جبر) .
وفي 14 تموز 1958عندما اسقط المرحوم عبدالكريم قاسم النظام الملكي، كانت الحكومة العراقية الاخيرة برئاسة كردي وهو احمد مختار بابان، وكان وزير داخليتها كرديا وهو المرحوم سعيد قزاز، وآمرفوج الحرس الملكي كان كرديا ايضا وهو العقيد طه البامرني . وحتى مجلس السيادة الذي تشكل من ثلاثة شخصيات وطنية بعد 14 تموز كان يضم كرديا هو خالد النقشبندي .
ربما يحتج السيد العلوي بالقول انه تحدث عن فترة حكم البعث ، ولكن الوقائع تدحض مقولته ايضا ، فحكومة البعث كانت ظالمة وشوفينية ولكن كان الكردي على تماس معها ايضا وبشكل يومي ، وكانت تضم وزراء كرد ، ويشغل العديد من الكرد الوظائف العامة ولهم نوع من الحكومة الذاتية  ومجلس تشريعي منتخب على الطريقة الصدامية وآخر تنفيذي وعشرات الالاف من المسلحين الذين يتقاضون رواتبهم من حكومة البعث وجيش من الموظفين وطلبة الجامعة ، وحتى صدام كان يحتفظ بنائبين كرديين .
الحقيقة ، الوصف الذي اطلقه السيد العلوي على الكرد  ، وصف مجاف للحقيقة ويسئ الى نضال الكرد المستمر من اجل حقوقه ومطالبته المشاركة بالحكم بل وتشكيل دولته وحكومته ، ولهذه الاسباب حاربته الحكومات العراقية .
انا حائر من امر بعض ( اصدقائنا) العرب الذين غالبا تكون كتاباتهم مدفوعة الاجر  ، واترحم على حال صديق الشعب الكردي ( اسماعيل بشكجي التركي) الذي يكتب حقائقا عن الكرد ويدافع عنهم بالمجان ويتقبل العيش في زنزانة السجن كثمن لقول الحقيقة .
في الاخير اوّد ان اقول للسيد العلوي ، ان كتابته الاخيرة ظهرت في وقت يدير فيه الكرد حكومتهم ويشاركون في ادارة حكومة العراق الفدرالية ، وان لهم جيشا وشرطة واحزاب معارضة وانتخابات بين حين وآخر . وان الكردي يرى الحكومة في كل لحظة ويتفاعل مع نشاطها سلبا وايجابا ، والحكومة موجودة في كل ركن في كردستان ، وان هناك من يغدق عليها بالمديح كما هناك من يلومها باستمرار ، وان هناك ما يقارب مليون كردي من موظفي الحكومة او الشرطة او قوات الجيش ، والكردي يرى الحكومة من وقت يقظته صباحا وحتى ساعة نومه .
[email protected]