بقلم جايك سلفرمان “جريدة هفنغتون بوست”
في الايام التي تلت طرد قوات صدام حسين من الكويت اثناء عاصفة الصحراء، تحركت جماعات عراقية، لاسيما الشيعة جنوبي البلاد مع الاكراد في شمالها، تحركوا لاقتناص الفرصة المتمثلة في ضعف نظام الدكتاتور وتشرذم قواته بغية الاطاحة بهذا النظام البعثي الذي لطالما قمعهم منذ عقود.
وبأمر من الرئيس بوش الاب، تحرك المحتجون والجنود الفارون من الجيش العراقي بغية الاستيلاء على المدن الكبرى مثل البصرة وكركوك، حيث اعتقد هؤلاء انه بدعم من الاميركيين سيتمكنون من الاطاحة بالطاغية ونظامه البعثي المستبد.
وضمن مرحلة من المراحل، امكن للقوات الكردية شمالا الى جانب محتجي الجنوب الشيعة ان يسيطروا على 14 من اصل 18 محافظة عراقية. لكن الدعم الاميركي لم يصل قط، وبقي المتمردون الشيعة والاكراد عرضة لهجمات مروحيات ودبابات قوات صدام الموالية له.
وفي النهاية، اعدم مئات الآلاف من المحتجين والثوار حينما تمكن صدام من استعادة السلطة على شمال وجنوب البلاد، وبالتالي فوتت الولايات المتحدة فرصة الاطاحة بنظامه قبل اكثر من ارسال نجله بوش الابن قوات الولايات المتحدة للإطاحة بصدام لاحقا.
اثناء فترة حرب الخليج، خدم شاز فريمان كسفير للولايات المتحدة في المملكة السعودية. واثناء فترة خدمته، اختبر فريمان مشاعر احباط عميقة لعدم توفر رؤية وتوجيه من واشنطن بخصوص الاهداف الاميركية الاستراتيجية لعملية عاصفة الصحراء، ومن ثم تباطء وتيرة النظر في مساعدة الثوار العراقيين.
عن هذا الموضوع، يقول فريمان معلقا “كنا انا وقائد العمليات العسكرية وقائد القيادة المركزية، الجنرال نورمان شوارتكوبف، كنا محبطين جدا جراء ذلك، حتى انني عشية الضربة الجوية عمدت الى ارسال برقية عاجلة استوضح فيها سبب عدم وجود أي توجيهات بخصوص اهداف الحرب الاستراتيجية ما لم يكن هنالك سبب آخر لذلك. لكني اعتقد ان الاهداف كانت تتمثل في الاحد الادنى المتفق عليه اجمالا وحسب”.
يقول فريمان انه حاول الحصول على توجيهات، غير ان واشنطن لم تكن حسمت امرها بخصوص رؤية لطبيعة وشكل السلام الذي تريد ان يلي الحرب. ومن المؤكد
انه بعد تلك الحرب، كان لغياب هكذا اطار سياسي ان يربك ويؤخر ثورة الشيعة والاكراد جنوب وشمال العراق، لاسيما ان ذلك تسبب بموجة نزوح كردية مليونية الى تركيا بعد انتهاء تلك الحرب.
يقول شاز “ان غياب اهداف الحرب والاطر الاستراتيجية للمضي قدما، برأيي، كانت السبب في ان تلك الحرب لم تنتهي قط، حيث لم يكن هنالك من مفاوضات سياسية، ولم يجر السعي من اجل شيء كهذا.”
و يضيف قائلا “باختصار، فأن الانكسار العسكري الذي تعرض له صدام حسن لم يترجم قط الى عملية اذلال سياسي له”.
لذلك، بقي الدكتاتور في السلطة لكونه يملك القدرة على فرضها. ومع بعض التبرير، امكن للدكتاتور الادعاء انه بقي برغم مواجهته لاكبر قوة دولية نظمها المجتمع الدولي، الامر الذي يمثل في حد ذاته قوة سياسية حسبت له.
تحولت موارد قلق شاز ما بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار بين العراق والتحالف، تحولت نحو نقطتين مترابطتين تمثلت اولاهما في: الافتقار الى سياسة تتعلق بالتمرد الشيعي في جنوب العراق، وثانيهما: القضية المتعلقة بكيفية التعامل مع سجناء الحرب والمعتقلين المدنيين من العراقيين في المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات التحالف جنوبي البلاد.
يضيف شاز قائلا “اما الان، وحينما اتذكر غياب السياسة، فان ما اعنيه بذلك يتمثل في اننا لم نحدد شكل الدولة التي نريد ان ينتهي الحال اليها في العراق. وبما اننا افترضنا جميعا خطأ، وانا منهم، ان نظام صدام سيتهاوى تحت تأثير الضربات العسكرية القاصمة التي كلناها له، فأننا بقينا لا نعرف ما الذي يتوجب علينا القيام به عندما اندلع التمرد سواء في الشمال او الجنوب”.
في الشمال، كان الضغط التركي لإنهاء ما اعتبرته انقرة وضعا لا يمكن السكوت عليه جراء تدفق اكثر من مليوني لاجئ على الجنوب التركي، كان له ان دفع باتجاه التطورات المتعلقة بعملية توفير الاغاثة والملاذ الامن للاكراد. اما في جنوب العراق حيث حصل التمرد الشيعي العراقي على بعض الدعم من ايران، فقد كان الامر اكثر تعقيدا وتشويشا الى حد كبير.
من جانب آخر، وعلى نحو خاص، بدأ السعوديون مبكرا بالضغط بقوة، ومن خلالي وعبر واشنطن مباشرة، بغية تنسيق برنامج اميركي-سعودي مشترك يهدف الى دعم الشيعة. لقد وصل السعوديون، بصرف النظر عن كرههم للشيعة دينيا، وصلوا الى خلاصة صحيحة مفادها حسب اعتقادي ان شيعة العراق هم شيعة عرب اولا، وان
شيعيتهم تأتي بالمقام الثاني. وبمنظورهم، برهن الشيعة العراقيون عن ذلك عبر الصراع الطويل الذي تفجر بين العراق وايران. كما ان السعوديين ما كانوا راغبين بترك الميدان للايرانيين. لذلك، وصل هؤلاء الى قناعة مفادها ان التمرد الشيعي سيكون المفتاح لازاحة صدام عن السلطة.
لكن الامر تطلب 6 اشهر ما بين آذار 1991 حينما بدأ التمرد ضد نظام صدام، وأيلول من العام ذاته قبل ان ترد واشنطن على تلك الطلبات.
واضاف شاز “بحلول ذلك الوقت، تم سحق التمرد الشيعي”.
ضمن تلك المرحلة الانتقالية المضطربة، وفي ضل غياب التوجيهات، او ربما نقل توجيهات لم يكن السفير شاز على دراية بها، عمدت القوات الاميركية التي احتلت جنوب العراق حتى شهر حزيران من ذلك العام، عمدت الى نزع سلاح الشيعة ممن كانوا في مناطق سيطرتها، الامر الذي جفف قدرات التمرد العسكرية انذاك.
كما عمدت الولايات المتحدة الى تدمير مقادير كبيرة من ترسانة الاسلحة العراقية، بما في ذلك اسلحة صادرتها من المتمردين الشيعة. وقد تم سحب بعض تلك الاسلحة بهدوء ونقلها الى “المجاهدين” في افغانستان، غير ان معظمها دمر بكل بساطة. لذلك، ومن الناحية العملية، وبصرف النظر عن نوايانا ورؤيتنا واهدافنا، فقد تحالفنا نحن مع صدام على قمع التمرد الشيعي، وعلى النقيض من الرغبات السعودية انذاك.
بالنسبة للعديد من المصادر، لاسيما من جانب الاستخبارات الاجنبية من طرف الحكومة السعودية، فان دعم هؤلاء الشيعة الذي جاء بصور متعددة حسب اعتقاد السفير شاز، انما لقي ترحيبا ايجابيا، رغم ان ذلك جاء متأخرا 6 اشهر بعد اندلاع التمرد. وحسب شاز انه قال “لقد دعمت هذا الوضع من خلال حملة دعائية في وسائل اعلام لصالح المعارضة العراقية ضد نظام صدام حسين”. لكنه عاد ليستدرك قائلا “عدا عن ذلك، كان هؤلاء المعارضون الشيعة بحاجة للتدريب العسكري والمعدات وصور الدعم الاعتيادية الاخرى التي يفترض بالتمرد ان يكون بحاجة لها”.
ويضيف شاز “كما قلت، فقد لقيت تلك الطلبات آذانا صماء في واشنطن، وربما لأنها كانت مبنية على حدس السعوديين وما يريدون من وجهة نظر الاميركيين، وربما لان ذلك تم عبر قنوات مقيدة جدا، وهوما يحصل بالعادة بهذا الشكل تحديدا، او ربما بسبب ان الهدف الاساسي لواشنطن كان يتمثل في وضع الخليج ورائها والتحرك نحو انتخابات العام 1992.”
لكن بصرف النظر عن الاسباب، فأن تلك الطلبات التي كانت طلبات جدية بحق، والتي مرت بثبات عبر شاز الى جانب بعض آخر من كبار افراد العائلة المالكة السعودية في واشنطن، انما لم تلق اجابة تذكر. وشيئا فشيئا مع رفض تلك الطلبات، تسلل الاحباط ليشمل القضية بمجملها.
لكن مع حلول منتصف الصيف، كانت طلبات الدعم قد خفت اصلا بعد ان بدا واضحا ان صدام نجح عمليا في سحق التمرد.
من جانب آخر، كان تركيز الاميركيين منصبا في ذلك الوقت على جانب آخر يتعلق بالاكراد حيث كانت قيادة اوروبا برئاسة الجنرال جون شاليكاشفيلي تقود عملية ناجحة جدا لأعادة للاكراد الى موطنهم شمالي العراق، الى جانب برنامج نفذته هذه القيادة بغية اعادة توطين هؤلاء وحمايتهم ضمن منطقة حظر طيران دولية، في مقابل ان احدا لم يكن راغبا بالاستفادة من الفرصة التي سنحت مع الشيعة جنوبي البلاد.
كمنت الصعوبة في اطروحة التمرد الشيعي بكون الشيعة لم يرغبوا في الانفصال عن العراق واقامة دولة شيعية مستقلة لهم. لقد كانوا يركزون على الاطاحة بصدام والمشاركة في عملية سياسية عراقية وطنية في بغداد. لذلك، لم يكن هنالك من تعارض في الموضوع ما بين شيعة البلاد واكرادها.
اما الان، واذا صح ان الاكراد، وهم سنة عراقيون كذلك، انقسموا وخرجوا من معادلة العراق، فأن الشيعة الذين يشكلون اكثر من 60% من سكان البلاد سيختبرون هيمنة كاملة على مقاليد السياسة في هذا البلد.
لكن اذا ما كان السعوديون المعروفون بشكوكهم العميقة ازاء الشيعة المسلمين، اذا ما كانوا مستعدين لقبول احتمال نفوذ شيعي اكبر في بغداد، فأن شاز يعتقد انه ما كان ينبغي للولايات المتحدة ان لا تدعم توجها من هذا النوع. ويضيف شاز “كما اني لا اعتقد ان دعم الشيعة كان يمكن ان يؤدي، بالضرورة وبشكل من الاشكال، الى اضعاف الدولة العراقية”.
اما الان، فأن من الممكن تصور ان الشيعة قد يرغبون بمشاركة الاكراد توجههم نحو عراق فيدرالي اكثر لا مركزية. لكن شاز لا يفهم سبب عدم استيعاب هذا الشيء ورفضه. فبعد كل شيء، يقول شاز ان بنية الولايات المتحدة فيدرالية، وانه يعتقد ان الامر ذاته يصلح للعمل في العراق عبر تجربة سيادة اكبر وسلطات اوسع.
ويضيف شاز “اعتقد ان الجواب الحقيقي يكمن في ان مصادر صنع القرار العليا في الولايات المتحدة لم تعر الموضوع اهمية تذكر بساطة انذاك. ولذلك، فأن كل
الملاحظات التي ادليت بها تبدو منطقية ومترابطة في ضل عدم وجود رغبة حقيقية من جانب قيادتنا للتصدي للموضوع في حينها.”
لربما ان ذلك كان اولم يكن القرار الصحيح. لكن المؤكد بصرف النظر عن مدى الصحة فيه، ان الولايات المتحدة لم تكن تتوفر على سياسة واضحة لإدارة ومواجهة الموقف. كما ان الاستيعاب العام لما يقال عن معارضة سعودية للتمرد الشيعي جنوبي العراق انما ليست بالشيء الدقيق حسب شاز، وان الحقيقة تكمن في انهم دعموا ذلك التمرد بالمقابل. لكن شاز يؤكد قائلا اننا فشلنا حتى في مجرد الاستجابة للموقف، وان موقفنا اعار اهمية اقل من المطلوب لما حصل.
ويختم شاز قائلا “بصراحة، كنت متفاجئا لرغبة السعوديين وضع خلافاتهم الدينية والمذهبية جانبا والعمل مع الشيعة العراقيين من اجل دعمهم والدفاع عنهم انذاك بحق.”