في الدول اليدمقراطية ، بل وحتى من تدعي الديمقراطية ، يبدأ مسؤولي حكومات هذه الدول ابتداءا من رئيس الدولة ورئيس الحكومة نزولا في المستويات يوم عملهم بقراءة الصحف اليومية التي تصدر صباح كل يوم ، ومايرد فيها من اخبار او تقارير او مقالات تؤشر محتوياتها وتتخذ الاجراءات والتوجيهات التي تعالج ماتنقله تلك الصحف ، اما عن طريق الرد او اصدار البيانات او عقد المؤتمرات الصحفية، وقد تصل الاجراءات الى اتخاذ الحيطة والحذر على اعلى المستويات من مجرد نشر خبر ينبه الى احتمال حصول خطر ما ، وهذا السياق وان كانت له دلالات سياسية بمعنى التسقيط او النيل من الحكومات او تبني المعارضة من قبل اطراف صحفية ، الا انه يشير الى اهمية ودور الصحافة وتأثيرها الكبيرفي صنع القراراو اسقاطه ، ومايعزز هذا الدور وتلك الاهمية للصحافة لجوء المواطنين لقراءة الصحف بأنتظام للتعرف على مجريات امور الدولة قبل ان يعرفوها من مصادرها الرسمية في تلك الدول .
جهد غير متحقق
مايحصل عندنا وللاسف عكس ما ينبغي ان يحصل ، فنحن كباقي الدول لدينا صحافة، واصبحت والحمد لله صحافة حرة بعد سقوط النظام ، ولدينا ايضا صحفيين وكتاب ومحللين سياسيين يتمتعون بالمهارة والكفاءة والمهنية والنزاهة وينتمون الى نقابة عريقة هي نقابة الصحفيين ، اضافة وهذا هو الاهم وجود كم هائل من الصحف اليومية التي تصدر صباح كل يوم عدا الصحافة الاسبوعية والمجلات المتخصصة وعشرات القنوات الفضائية ، لكن اكرر اسفي ان كل هذا الجهد المتحقق من السلطة الرابعة غير منظور او متابع او مقروء من قبل مسؤولي الدولة والحكومة ، وحتى اكون دقيقا ربما هناك من يتصفح العناوين فقط دون قراءة المضمون ، والذي بذل كاتبه جهدا كبيرا في الاستقصاء والتحري والبحث عن حقيقة ومصدر الموضوع ، كي يقدم او ينبه من خلاله عن خطأ ما او ظاهرة خطيرة او مظلومية انسانية تمنح المسؤول فرصة لمعالجتها قبل ان تستفحل وتلحق ضررا اكبر، ذلك ان الصحافة تلعب أيضاً دوراً ثنائيّاً بين الجمهور وواضعي السياسات. فمن جهة، تنقل الصحافة إلى المواطنين معلومات حول ما يحدث في المجتمع، ومن الجهة الأخرى، تتيح لواضعي السياسات معرفة الآثار التي نتجت عن القرارات التي اتخذوها سابقاً، وعن أنواع القرارات التي تم اتخاذها في مواقع أخرى، كما تمكن الصحافة واضعي السياسات من معرفة ما يتوقعه الجمهور منهم ، وبسبب عدم حصول ذلك تفقد المعلومة قيمتها الموضوعية ويضيع جهد الصحفي ويضعف دور واهمية الصحافة وتكاد تفقد سلطتها الرابعة .
فيالق المكاتب الاعلامية
الغريب في الامر ، ان كل مؤسسات الدولة ابتداءا من رئاستي الدولة والحكومة ومكاتب الوزراء نزولا عند ادنى المستويات الرسمية ، تمتلك فيالق من المكاتب الاعلامية ، وهذا امر جيد ولا اعتراض عليه ، اذ يسهل مهمة الصحافة في الحصول على المعلومة او ايصال ماتكتبه الصحافة الى المسؤول للاطلاع عليه واتخاذ الاجراء المناسب ، ولكن هل يحصل ذلك وفق سياقات مهنية تمارس الحد الاعلى من المسؤولية في اداء الواجب الاعلامي ؟ . للاسف اقول كلا ، وان حصل ذلك فعلى نطاق ضيق يعتمد على طبيعة العلاقة الحسنة بين الصحفي وبعض العناصر العاملة في تلك المكاتب ، ففي معظم الاحيان يواجه الصحفي مشكلة عظمى في عدم الرد على اتصاله الهاتفي الذي يريد من خلاله الاستفسار او الحصول على معلومة ما وغالبا مايكون مغلقا او يغلق مباشرة بعد الاتصال ، بل ولم تنفع ايضا الرسائل التي يبعث بها عبر هاتفه للتعريف بنفسه وطرح سؤاله ، لان هناك من لم يكترث او يعير الاهتمام لا بالاتصالات الهاتفية ولا بالرسائل الالكترونية ، وهذا مايعرض الصحفي للمسائلة من قبل صحيفته حول عدم انجاز المهمة الصحفية التي ارسل من اجلها ، وفي احيان كثيرة يمنع الصحفي من مراجعة المكتب الاعلامي الا بعد سلسلة اجراءات قد تستنفذ الوقت المتاح وينتهي الدوام الرسمي وتنهي معه مهمة الصحفي ، بالمقابل كنا نتمنى ان تبادر عناصر تلك المكاتب للاتصال بهيئات التحرير في الصحف لتزويدهم بأهم الاخبار والانجازات التي تتحقق في مؤسساتهم دون تمييز تلك الصحيفة عن الاخرى ، لأن الملاحظ وكما يبدو ان الصحافة التي تتبع للحكومة او الدولة تكون الاوفر حظا بالحصول على المعلومات في حين تحجب عن باقي الصحف لاسباب لا معنى لها ، ذلك ان الهدف من نشر المعلومة هو ايصاله الى اكبر قدر من الناس للاطلاع عليه ومعرفة مايجري في اروقة الدولة والحكومة ، والحق يقال ان اتصال المكاتب الاعلامية بالمؤسسات الصحفية يجري للتبليغ عن عقد المؤتمرات الصحفية فقط ، والاسباب معروفة في هذا الشأن .
اكرر ماذكرته في بداية هذا المقال ، من انني لا اريد ان اقلل او انتقص من جهود العاملين في تلك المكاتب ، والحق يقال توجد بعض المكاتب على علاقات ممتازة مع الصحافة وتقوم بواجباتها على خير مايرام ، ولكني وددت ان تعاد صياغة عمل المكاتب وفق اسس مهنية يتداخل فيها الحرص الكبير على اداء الواجب تجاه الصحافة بما يخدم مؤسساتهم من خلال نشر وتوثيق كل الانجازات والمبادرات ، وان ننشيء علاقات صداقية متينة بين الصحفيين والعاملين في تلك المكاتب مبنية على مهنية تخلو من المحاباة والمحسوبيات وترتقي فيها صفات شرف المسؤولية الوطنية واداء الواجب بكل امانة الضمير والانتماء ، والحرص الشديد على التأكد من صحة ومصدر المعلومة قبل بثها ونشرها ، لان الهدف من وراء ذلك هو كسب مصداقية الناس ودحض الاشاعات وافتعال الازمات .
تلميع وتضخيم
كلمة اخيرة اود ذكرها :
انتم المرأة العاكسة لكل نشاطات ومنجزات مؤسساتكم ، وليس بالضرورة ان تبالغوا في تلميع وتضخيم تلك المنجزات ، لانها معروفة وغير خافية على الناس ، تحدثوا بمنطق الحقيقة والوقعية وبما هو عليه واقع الحال ، فالبلد لايزال فيه الكثير من الماًسي والماًثر وليس تحقيق منجز هنا او هناك يحل المشكلة ، انما مصارحة ومكاشفة الناس بواقع الحال والتواضع في طرح الطموحات والتأني في اطلاق الوعود كلها امور تساعد في تهدئة النفوس ونمو الشعور بالتفاؤل ، وكل ذلك لايتحقق الا من خلال معرفة مسؤوليكم في المؤسسات عما يجري خارج مكتبه من امور وقضايا ، مشاكل ومظالم ، هموم ومعانات ، اقصاء وتهميش ، تلكؤ وسوء ادارة ، مقترحات ومبادرات ، وكل هذه المفردات واكثر تجدونها يوميا منشورة في الصحف وماعليكم الا ان تلخصوها وتقدموها بتقرير يومي الى مسؤوليكم ليبدأ عمله اليومي بعد الاطلاع عليها وتأشير مايمكن معالجته او الانتباه لخلل ما كان غائبا عنه، وقضية اخرى مهمة ، اطلعوا على تفاصيل المقالات التي ينشرها الكتاب في الصحف ، فهي لم تكتب لاملاء فراغ ما ، انما فيها حتما الكثير الكثير من المقترحات والمبادرات وتشخيص الاخطاء والاسهام من خلال ذلك في تعزيز مسيرة البناء والازدهار للبلد ، وممكن تلخيص هذه الافكار وجعلها موضوعات للدراسة ربما تفيد المسؤول عندما يطلع عليه ، وهنا لا ازكي كل مايكتب من مقالات من حيث كونها مفيدة وذات تأثير ايجابي في المسيرة الوطنية ، اذ ربما يأتي البعض منها هزيلا او يخلوا من اخلاقيات المهنة ويهدف الى الاساءة والتحريض او النقد الجارح غير المبرر وامور اخرى نحن في غنى عن ذكرها ، اقول ، عليكم بممارسة دوركم الاعلامي في الرد التفاعلي على تلك المقالات عملا بمدأ الرأي والرأي الاخر وتوضيح الحقائق بموجب مستندات توثيقية تقنع القاريء وتزيد قناعته بجدية عملكم واحترام مسؤوليتكم ، وحبذا لو تتخذون من هذا الامر مسارا للرد المتواصل على الافكار الجيدة التي تحملها المقالات الجادة اذا كانت تشير الى منجزات مؤسساتكم من خلال طرحها اسئلة بحاجة الى اجابة رسمية معتمدة ومقنعة ، وهذا مايسمى في العمل المهني الصحفي بالعلاقة التفاعلية التي تعبر عن الاحترام والتقدير المتبادل بين الصحافة وبينكم .
ان مايكتب في الصحافة هي بمثابة افكار مجانية تقدم لكم متمنيا عدم الاستهانة بها لانها كتبت بضمائر الشرفاء الحية من الصحفيين حبا وانتماءا للعراق .
كاتب ومتابع للشأن السياسي
[email protected]