9 أبريل، 2024 8:32 م
Search
Close this search box.

عن الشهرة والتشهير – 2 / المحامي السختجي الذي نصب على الساسة

Facebook
Twitter
LinkedIn

كان لي صديق في سبعينات القرن الماضي يدعى (مولود خليل)، ليس أمامي إلا أن أسميه (شاطر)، يخرج من البيت متهندم ويدخل الشارع الرئيس في محلته، الذي تصطف على جانبيه بين مسافة وأخرى عدد من المقاهي، فيلقي بالتحية – وهو ماشيا – على الجالسين في المقهى الأولى، فيردون عليه التحية مع عبارة (إستريح) فيرد عليهم (شكرا، والله معزوم يم أصدقاء) أو (شكرا، والله مرتبط بموعد مهم) مع إشارة بسبباته صوب مقرات الحكومة!، ويمضي هكذا حتى المقهى الأخير، ثم ينتهي به المطاف الى اللف من الجهة الثانية عائدا الى البيت!!، ويتكرر هذا المشهد كل يوم تقريباً، ولابد والحال هذه أن يفكر أقرانه وأهل محلته أنه شخص مهم لكثرة إرتباطاته، فنال ما أراد من الحظوة والتميّز عن بقية أقرانه!.
نادرا ما تجد إنسانا يكره الشهرة، فهي مطمح ينزع إليه الإنسان في حياته الخاصة والعامة، لكننا سنجد دوما من يتكلف في كلامه، ويتصّنع في أدائه وأفعاله وعمله ويبالغ في مواهبه، كل ذلك من أجل أن يتميّز عن الآخرين ويكتسب شهرة، من الصور الواضحة على ذلك من نراه في أيامنا هذه في الوسط الثقافي والإعلامي، هناك من الإعلاميين من حصلوا على شهرتهم بإستحقاق من خلال ثرائهم المهني والثقافي، يقابلهم آخرون يشطشطون بأدائهم ويمطمطون بحديثهم من أجل بلوغ هذه الشهرة، فتجد مقدماً لبرنامج حواري يمطر ضيفه بسيل غير مترابط من الجمل تخفي وراها – لا فائدة المشاهد او إغناء موضوع الحلقة التلفزيونية – بل رغبته في الإثارة خارج السند أو لإستعراض عضلاته المعرفية بطريقة فجّة ومصطنعة كل ذلك من أجل بلوغ الشهرة التي بلغها أقرانه.
راقب معي – على سبيل المثال – أداء عبد الحميد الصائح وأنور الحمداني (وهو يعملون في قناة تلفزيونية واحدة) وقل لي من الإستعراضي ومن الأصيل، راقب معي ما يكتبه فواز الفواز وإبراهيم الزبيدي (وهم يكتبون في موقع إلكتروني واحد) وقل لي من المُسفّط (1) ومن الأصيل، مع جل إحترامي لهم جميعاً.
الإثارة مشروعة في مواقع عدة على أن تكون مستندة الى سند موضوعي، من أجل تقديم الفائدة للمشاهد أو القاريء أو المستمع وإنضاج معارفه، لكنها ستبدو مثل تهريج عندما تكون إثارة من أجل الإثارة، وهؤلاء لا يعرفون أن من السهل جداً جلب إنتباه الناس، وأكثر الأفراد جلبا للإنتباه في بلداتنا وأحيائنا هم المُهرّجين والمخابيل بصراخهم وعبثياتهم وقذاراتهم وملابسهم الممزقة، فأنظار الجميع تتوجه إليهم أينما ظهروا أو مرّوا في شوارعنا.
الوساطات تصنع شهرة، والمال والدعايات مدفوعة الثمن تصنع شهرة، الرياء ومنافقة المتسلطين تصنع شهرة، أما أقصر الطرق لبلوغ الشهرة هي الإنتهازية، والإنتهازية لغة تعني إنتهاز الفرص بعيداً عن أية مبادئ أو قيم ثابتة، وهؤلاء يسقطون سريعا بزوال تلك السلطة التي نافقوها، هناك أيضا ما يسمى (إلإدعاء) ويطلق على محترفيها لقب (دَعِي) فهو يدّعي كل شيء وأي شيء.
هناك دائما رابط بين الشهرة والتشهير، فإذا فشل أحدهم في بلوغ الشهرة فليس أمامه سوى التشهير بالمشاهير، فالعجز عن بلوغ الشهرة يترك آثاراً سلبية وردود أفعال غير أخلاقية ليس أقلها التشهير بالآخرين، ومن أمثلة ذلك ما سنرده في الحكاية التالية.
أعرف أحد الحقوقيين (العاطلين) يهرول وراء القنوات التلفزيونية من أجل إستضافته (كمحلل) سياسي، عاش منذ دخوله بغداد على (السختة)، يحتفظ في هاتفه الجوال بأرقام أغلب رجالات السلطة، وكلما جلس الى يمته أحد نهض ليتحدّث الى أحد هؤلاء الرجالات المتنفذين، بل ويناديهم بألقابهم الأبوية دلالة على (ميانته) معهم!، (أبو محمد وأبو إسراء وأبو بلال وأبو إسكندر وأبوعلي وأبو ياسر إلخ)، وجلاسه يستمعون!، ومع كل تشكيل حكومي أو ما شابه يدعي أنه مرشح للمنصب الفلاني، وهي أسهل طريقة لإبتزاز الآخرين الذين سيحّفون به حتماً، فعاش لسنوات على هذا الإبتزاز، ولم يبق من أحد ألقى عليه السلام دون أن يلطش منه مبلغا من المال، ويظل هؤلاء الدائنين ينتظرون أن يحصدوا المنافع بعد أن يتسنم هذا المحتال منصبه، في أحد أيام العام 2007 وجدته ذات مرة على وشك أن يموت من الجوع، أشفقت عليه وقررت الإتصال بأحد المسؤولين (ممن كان يتصل بهم)، وتحديدا السيد علي الأديب (الذي كان يناديه أمامنا بأبي بلال)، وشكوتُ له إن من غير المعقول أن تتركوا هذا الإنسان لا يملك عشاء ليلة وهو يدافع عنكم في (تحليلاته التلفزيونية)، ورغم أن الرجل قد إستقبل حديثي بأدبه المعهود، إلا أني فوجئت أنه لم يعرفه بمستوى المعرفة التي كان يدعيها هذا الحقوقي السختجي!!، …. إذن مع من كان يتحدث هذا الدعي بجواله ليل نهار!… في اليوم التالي بعد أن إكتشفت مصادفة إحدى مخازيه، إتصلت بالسيد الأديب مجددا وقلت ما معناه إني أعتذر عن مكالمة الأمس فالذي دافعت عنه لا يعدو أفاقاً وسختجي!.
ظلّ هذا الحقوقي يطارد بمكالماته الهاتفية إحدى مستشارات رئيس الوزراء، رغم أنه يدعي دائما أنها مجرد محامية فاشلة وهو من صنعها وأوصلها الى ما وصلت إليه، والسيدة المذكورة أعانته مالياً لأكثر من مرة دون أن تعرف أن هذا الزميل يشهّر بها !!، أما حكاية تلونه السياسي فهو أخزى كل مخازيه، ففي لقاء صحفي مع صحيفة تصدرها إحدى الأحزاب الشيعية قال (بغداد شيعية واللي ما يعجبه يركع راسه بالحواجز الكونكريتية)، لكنه عندما إلتقى طارق الهاشمي لقاءا مدبرا (تحت عنوان مزيف) صبّ كل شتائمه على الشيعة قائلا : أن الميليشات الشيعية ما هي إلا حرس الثورة الأيراني وإن زعمائهم عملاء لأيران، بعد أيام جلس وسط جمع شيعي وقال: جيش المهدي تاج فوق رؤوس كل العراقيين !!.     
العيب هنا ليس على زيف من إشتهر، مثل هذا المشهور (السختجي)، بقدر ما هو عيب على من كان سببا وراء شهرته، وأكثر المُلامين على ذلك هم أوساطنا المرتبكة والمتخبطة والتي إختلط فيها الحابل بالنابل، فبسبب تدنّي المستوى المعرفي لمجتمعنا، وهشاشة تكويناتنا الشخصية سنجد دائما وأبدا صعود أنصاف المؤهلين وأرباع المثقفين الى مستويات من الشهرة تفضح قبل كل شئ مدى تخلفنا وإرتباكنا في تقييم الآخرين التقييم الحقيقي الذي يستحقونه.
في العام 2006 نشرتُ في عمودي بجريدة الصباح (كتابة على الجدران) مادتين متتالتين بعنوان (رجال الإختراقات الصعبة) أتحدث فيها عن أمثلة عديدة من أولئك الرجال الأفاقين القادرين على إختراق الكثير من المحافل السياسية والتنفيذية تحت إدعاءات ليس من السهل إكتشاف حقائقها، وأغرب تلك الأمثلة عن (سائس خيول) لص وضيع وسفيه تركته في زبير البصرة عام 1973 ثم هرب الى دولة الكويت إثر إحدى سرقاته، لأتفاجأ به في العام 2003 عضوا في إحدى الأحزاب السياسية التي فاق عددها المئة في ذلك الوقت وبلقب (شيخ)، وفي إحدى المؤتمرات كان أحد الجالسين على المنصة ينظـّر ويحصي المناقب العشائرية!!.
كم غريب عراقنا هذا ؟.
وللتذكير دائما وأبدا – ونحن نسرد وننتقد ونفضح بعض هذه المخازي –  إن كل التردي والسلبيات والإنحرافات التي يعيشها العراق اليوم ما هي إلا ثمار لنبتٍ عفن زرعته سنوات الفاشية المقبورة.
وللحديث عن الشهرة والتشهير بقية.
ــــــــــــ
(1) من السفسطة
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب