23 ديسمبر، 2024 10:59 ص

عن الذين لايفهمون دين السماء

عن الذين لايفهمون دين السماء

كن عالما أو متعلما ولاتكن جاهلا فتهلك  – حديث شريف

نصف العلم أن تقول لاأعلم – ألامام علي

يحلو للبعض أن يكتب عن الدين دون أن يتسلح بألآدوات المعرفية التي تؤهله لذلك , فتأويل القرأن لايعلمه ألا الله والراسخون في العلم , والمفسرون أشترطوا خمسة عشرا علما لمن يريد أن يفسر القرأن , كل ذلك حرصا منهم أن لايدخل لهذا الميدان من هم ليسوا أهلا فيدخلوا الناس في الضلالة , وهذه ألاشتراطات ليست ضد حرية الرأي كما يعتقد البعض , فحرية الرأي شيئ , وأصدار ألاحكام , أو ألقاء الفتيا شيئ أخر , فحرية الرأي حق مشاع للجميع ” من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ” و” قل كل يعمل على شاكلته ” و ” لا أكراه في الدين ” فمن يقول أن ألاديان متناقضة أو تأمر بالتناقض , أنما يصدر حكما لايمتلك أدواته المعرفية , فليس هناك أديان للسماء وأنما هو دين واحد , وهناك شرائع متدرجة دخل في بعضها شوائب , وأستبدل البعض ألاخر وتغيرت نصوصه ألاصلية كما في التوراة التي معناها ”  الشريعة ”  , وألانجيل ومعناه ” البشارة ” فهذه أول ألاخطاء التي وقع بها من يدعي أن للسماء أديان وليس دينا واحدا , وعندما نقول أن دين الله هو ألاسلام أنما ننطلق من مفهوم الدين الواحد للسماء ” أن الدين عند الله ألاسلام ” فلا نريد ألغاء الشرائع كاليهودية والنصرانية والصابئة , وثاني أخطاء هؤلاء هو أدعائهم أن ” ألآديان ” متناقضة أي تأمر بالتناقض وكما قلنا هي ليست أديان وأنما هي شرائع , ولو أعطى هؤلاء لآنفسهم فرصة المراجعة والدراسة المتأنية لعرفوا أن ليس هناك من تناقض بين شرائع السماء , وما التعليمات التي أعطيت لبعضهم حلالا ولبعضهم حراما فهي تدرج يرتبط بمنهج التغيير وألاصلاح وهو منهج معرفي يقره العقل ويستسيغه المنطق , ولو رجعنا للحوارات التي دارت تاريخيا بين رسول الله “ص” وبين علماء اليهود , وقساوسة النصارى لوجدنا تطابق الرؤى والنتائج حول مفاهيم الكون والحياة , والموت والبرزخ , والقيامة , والجنة والنار , والنبوة وأوصياء ألانباء , وأسرار الوحي , وحتى أسرار الوراثة , ومعارف الحمل والولادة والرضاعة , واحكام الزواج والطلاق متقاربة موحدة , وهذه الحقائق لايعرفها ألا من درس ألاثار وتعمق في فهم ألاحكام والمعاملات , ولذلك أصبح الفقه علما تخصصيا لآستنباط ألاحكام الشرعية  وأصبح علم ألاصول منطقا لعلم الفقه مثلما أصبح علم المنطق هندسة للعقل البشري , وحتى مع دراسة هذه العلوم يبقى للتأثيرات الذاتية أسبابها في تخريخ الفتوى وأطلاق ألاحكام , ولذلك أصبحت التقوى هي صمام ألامان في ممارسة أي شأن دنيوي حياتي , والتقوى : هي ملكة نفسية تعصم ألانسان عن التهور وأدمان الخطأ لاسيما كبيره , فهي دون العصمة وفوق الشك والريبة ” ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين ” -2- البقرة – والذين يقرأون أيات القرأن ولايعرفون سر التباين في معانيها الظاهرة يقعون في سوء فهم خطير فيخرجون بنتائج تعود عليهم بخسران الحقيقة وألابتعاد عن بوصلة السماء ألا الذين تدركهم النفس اللوامة فيرجعون الى صوابهم , ومن هؤلاء الذين أخذتهم غواية الفهم الخاطئ من قالوا بأن البعث ولادة طبيعية لتناقض ألاديان , ونسي هؤلاء أن البعث ليس فكرا , وأنما هو خطابات مدرسية قيلت بلغة تبشيرية تختفي ورائها نوايا توراتية تلمودية تتحرك مع طغيان ألالة الصناعية التي أجتاحت العالم العربي وألاسلامي كحاجة عصرية , ومن يمتلك حاجات العصر يمتلك التأثير على مشاعر الناس , وهذا المفهوم غاب عن عقول الحواضن والمرجعيات التي ظلت تتعامل مع الناس بأدوات قديمة دون أن تجدد وسائلها من حيث ألانجاز والقرار وألارادة ومناخ العواطف وأوقات الفراغ  ,  وسوق ألاستثمار, وسوق العمل وألانتاج , والموضة ومواسمها التي دخلت كل بيت ووصلت الى مختلف ألاعمار في سباق مع الزمن وتجاوز المكان بتطويره الى مايلائم الذوق العصري الذي أصبح مختطفا لمن يملك الفضاء وألاعلام والتجدد وأن كان ظاهريا وغير حقيقي ؟

ان عدم القدرة على فهم النص القرأني يصل بالبعض الى حد الكفر والخروج عن مقولة ألاعتدال , كالذي قال : أن القرأن ليس فيه بلاغة ؟ وكالذي خلط بين السحر الهندي والتجارب العلمية وبين مفهوم الشيعي والسني , أو كالذي أعتبر مقولة ” يالثارات الحسين ” معنى لغير ماوضع له أو كالذي أعتبر شعار ” كل أرض كربلاء ” دليلا على تعميم ثقافة القتل والموت , وألآمر ليس كذلك , فثارات الحسين هو مفهوم لرفض الباطل وألآنتصار للحق , ولايراد منه ألآنتقام من فئة معينة كما يحلو للبعض أن يجعلوه وكأنه مصوبا تجاه أهل السنة لاسمح الله , فدماء المسلمين محقونة ودماء الناس محفوظة بأستثناء من شغب وتمرد وشرع بالقتل بعدوانية كما تفعل داعش اليوم “و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعدتدوا أن الله لايحب المعتدين ” – 190- البقرة – وتشريع القتال عند الضرورة ودفع المعتدين أمر يقره العقل والمنطق , ولايوجد على وجه ألارض وبين الناس من لم يقاتل عندما تضطره الظروف , وهناك فرق بين من يدعو للسلم والسلام كما هو دين ألاسلام والذي لايأمر بالقتال ألا لضرورة عقلية وشرعية , فألاسلام لايستعمل أسلوب الميكافيلية ولا المراوغة لتحقيق أهدافه , وأنما هو واضح وصريح لايخدع أتباعه ولا يغش غيرهم , وهو يحرص على الجميع من منطلق أنساني , وما قصة المغنية والراقصة ” سارة ” المكية التي جاءت من مكة الى المدينة وقصدت رسول الله “ص” طالبة الطعام والكسوة وألامان مع أعترافها بأنها ليست مسلمة وليست مهاجرة , وبهذه الصراحة قابلها رسول الله “ص” بالخلق ألانساني وبالسماحة وأمر بني عبد المطلب أيوائها وأطعامها وكسوتها ؟ وهذا المشهد التاريخي لم يدرس جيدا ولم يوظف لصالح الفهم ألآنساني الحضاري الذي يستوعب البشرية ويعطيها حقها في الطعام والكساء والتعليم وألامان مثلما يعطيها حريتها في الرأي , بعد هذا ألاختصار المعبر عن وحدة وأنسانية الدين وعدم تناقض الشرائع ندعو للمراجعة والتثبت عند الحديث عن الدين أحتراما للعلم والتخصص , وألابتعاد عن ثقافة الفوضى التي تجعل من ألامي وغير المتعلم طبيبا ومهندسا وقاضيا وسياسيا ومحللا كما يشتهي  وهذا هو سبب خراب مفهوم التنمية البشرية عندنا وتعطل منظومة القيم التي كنا نفاخر بها , وفقدان الدولة عندنا مفهومها القانوني , وفقدان الحكومة وزنها السياسي وتبقى  ثقة المواطنين أكبر خسارة أصابت الحكومات العراقية , مثلما أصبحت الخسارة المعرفية صفة دائمة للكثير ممن يكتبون وهم يظنون أنهم يفعلون خيرا , وقد ساء ما يفعلون .