لا أعرف السبب وراء إصرار نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي على استخدام اسمه الحركي (أبو مهدي المهندس) حتى اليوم بعد أربع عشرة سنة من سقوط النظام الذي أرغمه على الهجرة من العراق والالتحاق بحركة المعارضة، ومن قيام النظام الذي عمل في سبيله.
مثل المئات غيره من الناشطين في حركة المعارضة لنظام صدام، وضع المهندس اسمه الحقيقي، جمال جعفر محمد علي آل ابراهيم، جانباً واتّخذ لنفسه اسماً حركياً، لكنّ اسمه الحقيقي ما لبث أن ذاع بعد التغيير في 2003، وبخاصة عندما ترشّح العام 2005 في أول انتخابات لمجلس النواب في العهد الجديد، ليفوز بأحد مقاعد المجلس.
بالطبع ليس مشكلة أن يتمسّك السيد آل إبراهيم باسمه الحركي، وليس هذا بالضبط هو ما أريد الكتابة عنه اليوم. السيد آل إبراهيم، أو المهندس، ألقى منذ يومين خطاباً في احتفال هيئة الحشد الشعبي بتحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش الإرهابي، وقد استوقفتني العديد من الكلمات فيه، فعموم الخطاب يُعطي الانطباع بأن السيد آل إبراهيم وآخرين من قيادات الحشد يريدون لهذه المؤسسة الحكومية أن تبقى على مسافة من الحكومة وأن تتمتّع بالاستقلال، ما يعطي بدوره الانطباع بأن القصد من وراء الحشد، لدى البعض، لم يكن تحرير المناطق التي احتلّها داعش فحسب وإنما ايجاد جيش آخر إلى جانب الجيش العراقي، وربما هذا بالذات ما يجعل السيد آل ابراهيم – كما سواه – التمسّك بالاسم الحركي، وليس الاسم الحقيقي المستعمل في الوثائق الحكومية، بما فيها وثائق تشكيل الحشد وتسمية السيد آل ابراهيم نائباً لرئيسه.
وممّا لفت انتباهي أيضاً في خطاب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي قوله ” إننا نعمل جاهدين على إزالة المظاهر المسلحة من المدن ونمنع بقوة كل من يحاول أن يستغلّ اسم الحشد الشعبي”.
إزالة المظاهر المسلحة لفصائل الحشد في المدن لا تحتاج إلى وعد ليس له ميقات محدّد من نائب رئيس الهيئة ، بل إلى قرار منه ومن رئيس الهيئة وإلى تنفيذ القرار، ومن المفروض ألّا تتوانى الفصائل في تنفيذ القرار يوماً واحداً، وإلّا عُدّ الأمر تمرداً، وهذا مما نخشاه، فجعل هذه المؤسسة غير خاضعة على نحو مباشر لسلطات الحكومة يثير المخاوف من تمردها، أو بعض فصائلها، على الدولة في يوم ما، ما يُنذر بصراعات دموية وعرقلة تحقيق الأمن والسلم الأهلي والاستقرار والتنمية في مرحلة ما بعد داعش.
مما يجدر بالسيد آل إبراهيم أن يعرفه، وهو في موقعه النافذ في الهيئة، أن المعاناة من المظاهر المسلحة وتصرفات عناصر الفصائل المسلحة لا تنحصر في مَنْ يستغلون اسم الحشد الشعبي، فثمة عناصر وفصائل تنتمي إلى الحشد تقوم بهذه التصرفات، وهي تستخدم انتماءها للحشد لتحميل الناس المنّة والجميل في غير محلهما، بل هي تفرض الأتاوات وتمارس التهديد والوعيد والابتزاز والاختطاف، وهو سلوك معروف للجميع ومُستنكر من الجميع، وأفترض أن السيد آل ابراهيم بين العارفين والمستنكرين.
السيد آل ابراهيم، أو المهندس .. الدولة التي يحلم بها العراقيون ويحتاجون إليها، يتعيّن أن يكون كلّ شيء فيها وكلّ فرد من أفراد المجتمع الذي تُديره تحت سلطة القانون وليس خارجها بأي شكل وأي صورة.