23 ديسمبر، 2024 6:28 ص

عن الجزائريين والعراقيين والنصر المبين

عن الجزائريين والعراقيين والنصر المبين

ليس الجهاد حتى الموت دفاعا عن شرفٍ وطني أو عن أمر مقدس فكرة صائبة، دائما، إذا لم يأت بنتيجة، خصوصا وأن الله أوصى عباده بـأن لا يُلقوا بأنفسهم إلى التهلكة.

واستخدام العقل والحكمة والتدبر وحسن تقدير العواقب وحساب قدرة المجاهد وقوة خصمه أمرٌ لازم من أجل ضمان سلامته مع النصر في آنٍ، ومن أجل البقاء لاستئناف الجهاد المقدس وتحقيق النصر، في آنٍ آخر جديد.

وكثير من الشجاعة (قد) يصبح حماقة ومناطحة ً غير معقولة ولا مقبولة مع الأقوى والأقدر والأقل تهورا وسذاجة.

وأكثرُ مَن أثبت جدوى هذه القاعدة هو الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي رفع شعار (خذ وطالب). فقد حقق للشعب التونسي من الحرية المُستردة من المستعمر الفرنسي ما عجز عن تحقيق بعضه المجاهدون الذين حملوا بنادق صيد العصافير لقهر مدافع فرنسا المدججة بالسلاح المدمر من رأسها إلى قدميها، في ذلك الزمان.

ويخبرنا التاريخ بأن الشعب الجزائري قد حقق نفس ما حققه بورقيبة بسياسة الخطوة خطوة، ولكن بحمامات دم، وبقواقل شهداء طويلة، حتى أصبحت معه الجزائر تُنعت ببلد المليون شهيد.

ويبدو أن الجيل الجزائري الجديد الثوري المتدبر تعلم من ذلك التاريخ، فأصبح اليومأميَل إلى استخدام العقل والحكمة، وأكثر اعتمادا على فكرة بورقيبة (خذ وطالب) لتحقيق النصر الكامل على نظام فاسد متجبر جثم على صدور الجزائريين سنين طويلة، ولكن خطوة خطوة.

فبعد أن كانت أقصى مطالب المتظاهرين المسالمين الصامدين استقالة الرئيس عبد العزيز بو تفليقة، وبعد كل محاولات الالتفاف التي بذلتها البطانة المحيطة بالرئيس،والمستفيدة من وجوده، وبعد أن تحقق لهم ما أرادوا، وبعد أن أجبروا بوتفليقة على الاستقالة لم يعودوا إلى منازلهم قانعين مكتفين بذلك، وراضين بأن يتسلط عليهم رجال الرئيس العسكريون والمدنيون بطريقة ملتوية وأساليب جديدة مبتكرة في خداع الجماهير.  

وهاهم المتظاهرون في كل شارع وكل مدينة، بكل صلابة، وبعشرات الآلاف، للأسبوع السابع على التوالي، مطالبين بإسقاط النظام، ومُصرين على منع بقايا رجال الرئيس حتى من خلافته في المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تعقبها انتخبات جديدة لاختيار نظام حكم جديد.

وينبغي الانتباه هنا إلى أن أهمَّ مطلبٍ ملح تريده الجماهير هو تحقيق بنية قضائية (جديدة) تحقق لها نزاهة الانتخابات العامة القادمة، وتضمن حريتها، وتحميها من تلاعب أصحاب السلطة والمال والسلاح والنفوذ.

فها هي اليوم تخرج هاتفة بقوة وبسالة، (لن نسامح) و(يا السراقين كليتو البلاد)، وأغلبالظن أنها لن تهدأ قبل أن تتحقق لها مطالبها، كلها، لا نقص فيها، وبلا خداع.

أليست التجربة الجزائرية هذه درسا بليغا للعراقيين الذين إذا ما قيست مصائبُهم بمصائب الجزائريين لتبين أنهم أحقُ بالثورة من غيرهم عشرات المرات.

نعم إن إيران ومليشياتها العراقية هي الأكثر قسوة وخبثا وفسادا وهمجية ودموية من نظام بوتفليقة وبطانته، ولكن إيران ومليشياتها لن تستطيع أن تقتل المتظاهرين السلميين العراقيين، إذا كانوا بمئات الآلاف، أو الملايين، مثلما لم يستطع النظام الجزائري أن يقتل المتظاهرين المسالمين الجزائريين وهم بمئات الآلاف، وربما الملايين.