ماهو الحزب ؟ ماهي مهامه ؟ ما علاقته بأعضائه وببقية الجماهير ؟ هل دور الحزب دائماً ايجابي ؟
إن الحزب بشكل مبدئي هو مؤسسة جماهيرية تلتقي على مفهوم واحد يدور حول التقدم والتطور الاجتماعي المجتمعي ومحاولة وضع فلسفة معينة واضحة لتنفيذها على الواقع الاجتماعي والسياسي من قبل هذه المؤسسة . وحتى تبدو هذه الفلسفة قادرة على صياغة علاقات اجتماعية أو قابلة للتنفيذ في مجتمع مؤسسي منظم – دولة – لابد وأن تصاغ هذه الفلسفة في قانون داخلي للحزب ، وهذا يعني مبدئياً أن هناك مواجهة بين مايراد من قانون أو منهاج الحزب أو هدف القانون الحزبي وبين القوانين التي تصدرها الدولة عن طريق التشريع.
ولعل من أبرز مميزات الحزب – أي حزب – هو في كونه مؤسسة شعبية ذات وجود مستقل عن أي عضو فيه . وحتى تبقى هذه المؤسسة مستقلة عن وجود الأعضاء فيها فلابد لها من أن تكون أنظمتها الداخلية ديمقراطية تسمح بأن يكون للأغلبية رأي حاسم يمارس على الأقلية من ناحية ولتبقي هذه المؤسسة قوة شعبية بدل أن تتحول إلى مؤسسة شللية أو فئوية أو مصلحية من ناحية أخرى.
ولكي يبقى الحزب متماسكاً قوياً واعياً يجب أن يتنبه إلى ضرورة وجود الوعي وتعميقه في عملية الحكم على صحة فلسفة الحزب والالتزام بها.
ولعل أخطر عنصر يهدد الحزب أو فلسفته هو الزعم الذي تطلقه الأحزاب – كافة الأحزاب – من أن فلسفة هذا الحزب أو ذاك تمثل الحل السليم أو المفهوم والرأي الصحيح كحل للمشكلات الاجتماعية . بينما المتعارف عليه هو لاأحد يمتلك الحقيقة المطلقة أو يستطيع الادعاء بأن هذا الرأي أو ذاك هو الحل الأمثل.
ومن المهم هنا أن ننبه إلى أن الانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك لايكفي فيه القناعة باتفاق مصالح الأفراد مع فلسفة الحزب إذ يتوجب بداية على كل فرد منتم أن يعي هذا الاتفاق حقيقة ، وهل يتلاءم مع تطلعاته وتوجهاته وتصوراته فيقبل على هذه الفلسفة أو تلك ويلتزم بها فيصبح منتمياً لهذا الحزب أو ذاك . وهكذا تلتقي المصلحة الواحدة لكل الحزبيين مع فلسفة الحزب ويلتقي الجميع حول هذه الفلسفة باعتبارها في نظرهم الحل الأسلم لمشكلات التطور الاجتماعي.
إلى هنا ، تبدو فلسفة حزب ما مقبولة وتصبح فلسفة حزب منظم قادر على تجاوز الطبقية التي تظهر بين الحين والآخر بين أفراد الحزب إما على أساس الظروف الشخصية أو المنافع الشخصية أو تبدو الخلافات بين الأفراد على أساس التضحيات ، وعلى أساس الوعي الفكري أو الانضباطية أو مايؤديه البعض منهم من خدمات خاصة للحزب.
لكن المشكلة الحقيقية تبدو أحياناً فيما يسمى بحزب الطبقة أو الفئة أو حزب المصلحة أو النخبة أو القوة المختارة إلى ما هناك من تسميات – تقدميون ، اشتراكيون ، برجوازيون ، أحرار ، مستقلون ، دينيون …- وغيرها كثير من التسميات التي ليس لها مدلول واضح ، ويبدو هذا صحيحاً ، أعني الفئوية أو الطبقية داخل الحزب حتى في نظر أولئك الذين يأخذون بنظرية صراع الطبقات/الفئات ، أو صراع المراحل أو صراع المنافع والأفكار.
ليس هذا الافتراض وهمياً بل واقعياً حيث له جذور تاريخية موروثة عن التراث أو الفكر الذي أقام أعظم الثورات في التاريخ . وحين تحل هذه المشكلة الخطرة في فلسفة أو تنظيم حزب معين عندها يصبح كالنقابة همها الوحيد حل المشاكل التي يقع بها المهنيون أو العاملون ضمن النقابة ثم تبعدهم هذه الفلسفة الحزبية عن العمل السياسي حيث لاضرورة للمساهمة في حل مشكلة التطور الاجتماعي.
ونود أن نسوق دليلاً آخر على فلسفة حزب على أنها فلسفة نخبة أو صفوة أو طبقة ، تقول:- من الملاحظ أن قادة الأحزاب وكوادرها العاملة هم مجموعة من المثقفين الأفراد المتميزين بوعيهم بصرف النظر عن مواقعهم الاجتماعية أو وظائفهم. ومن هنا ، فإن هذه المجموعة المثقفة الواعية هم تركيبة واعية متميزة على غيرها من سائر المجتمع . وبذلك ، يمكن أن تكون هذه الفلسفة الحزبية أو تلك ، فلسفة طبقة معينة متميزة حتى عن الكوادر العاملة داخل الحزب نفسه ، وهذا شأن كل فلسفات الأحزاب باعتبارها فلسفات الطبقة المتميزة.
إن فلسفة هذا الحزب أو ثقافته أو عقائديته وسياسته ستكون قطعاً في مواجهة من تعتبرهم دونها وعياً وعقائدية وسلوكاً ، أي إن هناك صراعاً حزبياً فلسفياً عقائدياً، وربما سلوكياً سوف ينشأ عند التطبيق بين الاحزاب ، وهذا الصراع طبيعي لابد منه باعتباره الجدلية الاجتماعية الضرورية لخلق ظروف ومراحل أفضل ، هذا أولاً.
ولو افترضنا أن جميع الأحزاب تقدمية ، هل تسلم هذه التقدمية من المواجهة مع مصالح الفئات الأخرى غير الحزبية ؟ أعتقد أن مثل هذه المواجهة أو الصراع سوف يكشف العلاقة الموضوعية والتأثير المتبادل بين المشكلات الحادة وباقي المشكلات الاجتماعية فيستقطب الصراع قوى أخرى ، وعندها تنفضح هذه الفلسفة أو تلك لادعائها أنها تمثل مصالح كل الشعب ، وهي حقيقة لاتمثل إلاّ مصالحها الخاصة ليس هذا فحسب بل تصبح فلسفة رجعية لأنها طبقية . أما الفلسفات التقدمية فهي فلسفات الجماهير العريقة ، أي فلسفة كل الشعب وليس فلسفة المنتمين إليها والتي تربطهم بها مصالح خاصة.
ثانياً- ثمة أمر آخر بالغ الأهمية حين يسعى هذا الحزب أو ذاك إلى تنفيذ سياسته على أرضية الواقع الاجتماعي من منطلق فلسفته الساعية إلى أن تكون في الحكم أو مشاركة فيه ، فإن تلك الفلسفة قد تصطدم بتطلعات الدولة وقوانينها وسياستها الساعية إلى أن تكون الفائدة عميقة وشمولية لكل قطاعات الشعب وليس لقطاع بعينه ، علماً بأن الحكومة – أية حكومة – تسعى لأن تكون ممثلة لكافة التصورات الحزبية أو تضم كل الاحزاب وفلسفاتها لتكون المصالح عامة ، وغير ذلك فإن الدولة وقوانينها لن تسمح لفئة واحدة أن تصادر مصالح الشعب كافة ، وفي مثل وضع الاحزاب العراقية فإنه يفترض أن تكون كل الاحزاب ملتقية مع التوجه الحكومي لئلا تصطدم معها من جهة ولئلا تحتكر مصالح الشعب لفئة دون غيرها من جهة أخرى ولئلا تكون رجعية من جهة ثالثة ولئلا يحكم عليها الشعب بالموت السياسي من جهة رابعة.
إن عقائدية أي حزب إذا ما جرته إلى التطلع للحكم فإن التصادم مع التطلع لسياسة الدولة في رسم السياسة وإدارة الحكم لامحالة متصادمتان ، ومن هنا تأتي ضرورة احترام القانون كسيادة وسلطة لايعلو تصور أو توجه أو تطلع آخر.
ولعل السؤال الذي لم أجب عليه باعتباره سؤالاً كبيراً يحتاج لإجابة واعية هو:- هل توجد فلسفة معينة لكل حزب طرح نفسه على الشعب العراقي ؟ وهل أبدى هذا الحزب أو ذاك استعداده لشرح سياسته وفلسفته للشعب ؟ وهل باعتقاد جميع المتحزبين إنهم في ندواتهم ومنتدياتهم السياسية ، هل باعتقادهم إنهم تكلموا عن برامج وأهداف ؟
أنا شخصياً كنت حريصاً على الحضور والاستماع لأكثر المنتدين حول الأحزاب ، واستمعت لأكثر من شخصية أو شخصيات حزبية لكني بكل أسف لم أستمع إلى فلسفة ، لم أستمع إلى فكر ، لم أجد مفكراً سياسياً متحزباً حدثني عن فكر ، الجميع يتحدث عن برامج وأهداف . لكن الفكر الذي استمتعنا به في السابق والمطلوب حالياً هو في غياب تام !!
[email protected]